8 شعبان 1441هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين

أما بعد فقال الله تعالى في محكم كتابه (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) صدق الله العلي العظيم

يعيش العالم بأسره اليوم تفشي وباء عام شل الحياة الاعتيادية و اربك الوضع العالمي على كافة المستويات والصعد ، سواء الاجتماعية والاقتصادية والسياحية والصحية وإلى آخر ذلك ، ويقف الانسان مندهشا ازاء مايحدث، تصيبه الحيرة جراء ذلك من ناحتين: الاولى الناحية التحليلية والتفسيرية ومحاولة فهم ماهية الحدث ومعرفة حقيقة ما يحصل فهل هو من فعل السماء وقضاء وقدر إلهي ويدخل في قوله تعالى (قل لن يصيبنا الا ما كتب لنا) أو انه من فعل البشر وهو بالتالي اختياري ويجب تتبع الفاعل وتحميله المسؤولية ويدخل في قوله تعالى (ولا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها) ، والاخرى حيرة الانسان فيما يجب ان يفعل و يتصرف من الناحية العملية ، فتلك حيرة علمية نظرية ، وهذه حيرة عملية تطبيقية . فنحن كمن هو امام جهاز من الاجهزة الالكترونية الحديثة المزودة بأزرار كل منها يوعز الى الجهاز بالقيام بحركة معينة وعمل معين ، وقد فوجئ بحركة مفاجئة للجهاز غير مطلوبة بل خطرة قد تؤدي الى إيجاد انفجار وكارثة ولا يهتدي الى الزر المعين لايقاف تلك الحركة فهنا ما عليه إلا الرجوع الى دليل ذلك الجهاز الذي عادة ما ترفقه الشركة الصانعة للارشاد إلى كيفية التعاطي والتعامل مع ذلك الجهاز ، ونحن الآن حالنا كحاله ، فما علينا الا الرجوع الى كتاب الهداية الذي أنزله خالق هذا الكون ومافيه لنسترشد بهداه ، فهداية القرآن ليست منحصرة في جانب التشريع كما قد ينطبع في أذهاننا نتيجة الغفلة أو الجهل وإنما هي شاملة لجانب التكوين أيضا ، قال تعالى (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء) ، وإذا ما عدنا إلى القرآن فإننا نجد إرشادات عديدة تصب في اتجاه انقاذنا من المحنة ، ونشير الى بعضها اذ لسنا في صدد الاستقراء التام الكامل للآيات القرآنية ولا إعداد دراسة شاملة لهذا البحث . فنكتفي بما يلي :

1- قوله تعالى ( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ، ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) إن هذه الآية المباركة تعيد الى ذهن المؤمن ما قد يغفل عنه وهو إيمانه بالله الخالق المدبر الحكيم القادر الواهب للحياة والموت ( ألا له الخلق والأمر) ، تعيد الى ذهنه انه مختلف في نمط التفكير مع الملحدين والكافرين ، فإذا ما ذكر الله واستحضر أنه في ظل الرحمن الرحيم (لا يعزب عن علمه مثقال ذرة) وان له ربا يرعاه هو أقرب إليه من حبل الوريد وانه يدبر له مافيه خيره وصلاحه ، وطالما هو مؤمن فهو ليس في مأزق وليس في مهب الريح ومعرض الخسران والحرمان ، فقد ورد في الحديث (اذا احب الله عبدا ابتلاه ) وفي آخر ( غته بالبلاء غتا ) وفي ثالث

عن أبي عبدالله الصادق(ع) : عجبت للمرء المسلم لا يقضي الله عز وجل له قضاء إلا كان خيرا له ، إن قرض بالمقاريض كان خيرا له وإن ملك مشارق الأرض ومغاربها كان خيرا له  . وعنه (ع) ايضا قال : فيما أوحى الله الى موسى بن عمران عليه السلام يا موسى ما خلقت خلقا أحب إلي من عبدي المؤمن ، وإني إنما ابتليته لما هو خير له ، واعافيه لماهو خير له ، وازاوي عنه لماهو خير له ، وأنا أعلم بما يصلح عليه عبدي ، فليصبر على بلائي وليشكر نعمائي وليرض بقضائي أكتبه في الصديقين عندي إذا عمل برضاي واطاع أمري . وعن رسول الله (ص) : إن عظيم البلاء يكافئ به عظيم الجزاء فإذا أحب الله عبدا ابتلاه بعظيم البلاء ، فمن رضي فله عند الله الرضا ومن سخط فله السخط . انتهى .

ان حالة الإيمان هذه تذهب عنه الحزن وتزيل عنه القلق والاضطراب والتوتر ، وهو أهم ما يحتاجه الإنسان في هذه المحنة ، فهو يشعر بأنه في أمان الله تعالى وان الله يرعاه فليس هو كالملحد والكافر الذي ينتابه الشعور بأنه على وشك الهلاك وعلى جرف هار ، بل هو مؤمن فأين ماحل فهو بعين الله تعالى وانه في مهاد الله  ، ان كلمة الأطباء اليوم متفقة على أن أهم ما يقوي الجهاز المناعي عند الإنسان هو الهدوء والاطمئنان وان القلق والاضطراب والتوتر يضعفه عن أداء مهمته وهي الدفاع عن البدن ومهاجمة المرض ومسبباته . اذن علينا ان لا نغفل عن ذكر الله تعالى فهو ما يعيد الينا الاطمئنان والهدوء (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) .

2- قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة)  وهنا القرآن يرشدنا الى تجنب المعاصي والموبقات والتي تغضب الله وتسبب حلول عقوبته الدنيوية قبل الأخروية ، والحيلولة دون رحمته وإسباغ نعمه ، فيجب أن نرتدع عن فعل الموبقات كما يجب أن نرتدع عن الرضا بفعل موبقات الآخرين ومعاصيهم ، وبعد ذلك نبتغي إليه الوسيلة ، و وسيلتنا إليه التي نرجو بها هطول رحمته و دفع البلايا والنائبات هي حب محمد وآل محمد والتوجه إليهم ومخاطبتهم بكل مشاعرنا ومن اعماق قلوبنا بأن يكونوا شفعاؤنا إلى الله تعالى للحظوة بخير الدنيا والآخرة (يا سادتي وموالي إني توجهت بكم أئمتي وعدتي ليوم فقري وحاجتي إلى الله ، وتوسلت بكم إلى الله ، واستشفعت بكم إلى الله ، فاشفعوا لي عند الله ، واستنقذوني من ذنوبي عند الله ، فإنكم وسيلتي إلى الله ، وبحبكم وبقربكم أرجو نجاة من الله ، فكونوا عند الله رجائي يا سادتي يا أولياء الله ، صلى الله عليهم أجمعين ولعن الله أعداء الله ظالميهم من الأولين والآخرين آمين رب العالمين )

والحمد لله أولا وآخرا

اترك تعليق