في ذكرى استشهاد امير المؤمنين عليه السلام عزا ممثل المرجعة العليا في أوربا سماحة العلامة السيد مرتضى الكشميري حفظه الله العالم الاسلامي وقال :

في هذه الأيام الحزينة التي خسر فيها المسلمون قبل أربعة عشر قرناً أعظم شخصية وأكبر ذاتٍ عرفها التاريخ بعد النبي (ص)، والتي خدمت الإسلام والمسلمين بكل وجودها وطاقاتها، وحافظت على قيمه ومثله. فحريّ بنا أن نعيش مأساتها، وأن نتذكر ما عانته من الآلام والمصاعب في هذا الطريق، وأن نسير على نهجها ونقتدي بهداها؛ فإنها خير قدوة لمن اقتدى بها فاهتدى.

إن ما يمتلكه الإمام علي (ع) من المميزات والخصائص لا يمتلكه أحد من أصحاب الرسول (ص)، ومنها: قوله (ص) في حقه: (لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله، كراراً غير فرار، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه)، وقوله:(علي مع الحق والحق مع علي، يدور معه حيثما دار).

وإنما صار علي (ع) موضع حب الله وحب رسوله لأنه أعطى كل حياته وذاته لله؛ فكان (ع) يعيش مع الناس، ولكنه كان في عيشه معهم يرتفع إلى الله دائماً؛ فيفكر فيهم من خلال الله تعالى، لا من خلال نفسه.. كان لا يريد الناس لنفسه؛ ولذلك قال لهم: (ليس أمري وأمركم واحداً: إني أريدكم لله، وأنتم تريدوني لأنفسكم).

وهكذا كان (ع) مع الحق في الله ومع الحق في رسول الله (ص) ومع الحق في الإسلام ومع الحق في إدارة شؤون الناس. ولذلك ونحن نعيش ذكرى علي (ع) ينبغي أن نكون مع الحق لا أن نكون مع الباطل مهما أغرانا الباطل بماله وسلطته وعصبيته؛ لأن الباطل سيزول في الدنيا قبل الآخرة، وسيبقى الحق ما بقي الدهر، ( ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل).

والخصوصية الثانية التي لم يمتلكها أحد من الخلق -بما في ذلك سيد الكائنات رسول الله (ص)-: ولادته في جوف الكعبة على الرخامة الحمراء. وقد حدثتنا كتب التاريخ عن مجيء فاطمة بنت أسد (ع) -والدة الإمام علي- عندما أخذها الطلق، وهي حاملة بأمير المؤمنين (ع) إلى البيت الحرام منادية: (أي رب، إني مؤمنة بك وبما أنزلت من الكتب، ومصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل.. فبحق هذا البيت ومن بناه إلا ما يسرت علي ولادتي). فكان من الكرامة لها أن انشق لها جدار الكعبة ودخلت داخلها، وهناك ولدت أمير المؤمنين (ع)، وبعدها خرجت حاملة وليدها المطهر(ع).

هذا، وكما كانت ولادته في البيت الحرام كانت شهادته أيضاً في بيت من بيوت الله، وهو مسجد الكوفة.. فهنيئاً لك يا أمير المؤمنين على هذه الكرامة التي ما فاز بها أحد سواك من أنبياء الله ورسله، وهنيئاً لأولئك الذين سلكوا طريق الشهادة على نهجك في الدفاع عن الإسلام.

ولذلك أيها الأحبة علينا أن نعيش ذكرى علي (ع) في هذه الأيام التي استقبل بها ربه ساجداً له منادياً: (فزت ورب الكعبة)، وأن نرتفع إلى مستواه؛ بأن نحفظ الإسلام كما حفظه، وأن نخلص لله ولرسوله كما أخلص لهما، وأن يكون رضا الله تعالى كل همنا، وأن نبتعد عن كل العصبيات والحساسيات؛ لأنه يريد للذين يلتزمون خطه ويسيرون معه أن يكونوا في مستوى المسؤولية.. أن يعيش المؤمن مع أخيه المؤمن، وأن يهتم بما يصيب المؤمن الآخر. فعلينا أن نبتعد عن كل ما يفرقنا، وأن نبتعد عن كل عصبيّاتنا، ولا سيما في هذا الشهر المبارك الذي أراده الله أن يكون شهراً للمغفرة والرحمة؛ يغفر لنا فيه ذنوبنا ويرحمنا. فتعالوا ليغفر بعضنا لبعض، وليرحم بعضنا بعضاً، ولنرحم الواقع الصعب الذي نعيشه؛ فلا نثقله بكل ما لدينا من عصبيات طائفية ومذهبية وحزبية. تعالوا نرتفع إلى الله لنطلب رضاه، ولا شيء إلا رضاه.. لنحبه كما أحبه علي (ع): (فهبني يا إلهي وسيدي ومولاي وربي صبرت على عذابك فيكف أصبر على فراقك، وهبني صبرت على حر نارك فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك، أم كيف أسكن في النار ورجائي عفوك. فبعزتك يا سيدي ومولاي أقسم صادقا لئن تركتني ناطقاً لأضجن إليك بين أهلها ضجيج الآملين، ولأصرخن إليك صراخ المستصرخين، ولأبكين عليك بكاء الفاقدين، ولأنادينك أين كنت يا ولي المؤمنين، يا غاية آمال العارفين، يا غياث المستغيثين، يا حبيب قلوب الصادقين، ويا إله العالمين).

فسلام الله عليك يا أمير المؤمنين يوم ولدت في بيت ربك، ويوم عشت بين أمة جهلت مقامك ومنزلتك، ويوم استشهدت في محرابك وأنت تصلي لربك، ويوم تبعث يوم القيامة وأنت تقف على نهر الكوثر تسقي من سار على نهجك نهج الإسلام والتزم بمبادئه وطبق أحكامه.. وبين هذا وذاك فأنت قسيم الجنة والنار. السلام عليك وعلى روحك الطاهرة التي عرجت إلى بارئها وفازت برضوانها ورحمة الله وبركاته.

اترك تعليق