بدعوة من الاتحاد العالمي لجاليات المسلمين الشيعة الاثني عشرية – الخوجة في العاصمة البريطانية لندن، افتتح ممثل المرجعية العليا في اوربا (المركز الدولي للأبحاث للدراسات الإسلامية العليا)، وقد جاء في كلمته:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وصلى الله على خير خلق محمد واله الطيبين الطاهرين.
أيها السادة الكرام، أيها الحفل الكريم
لعلّ من أهمّ مرتكزات القوّة في العالم الإسلامي المعرفي المعاصر وما يشهده من تطورات، سريعة ومذهلة، هي القدرة على إثبات نقاء الدين وصحة نصوصه وكتبه من الأضاليل والتحريف، ومن أهم ميزات هذه القدرة هو العمل: بالأدلّة والبراهين والحجج العقليّة واعتماد الأساليب العلمية الراقية في الدفاع والتمحيص والنظر للحفاظ على أصول هذا الدين ودفع الشبهات عنه كما وردت أصيلة صافية عن النبي الأعظم وأئمة أهل البيت (ع) ولكننا بحاجة ملحة الى بعض الأمور المرتبطة بمركز الدراسات عموما وبهذا المركز على وجه الخصوص وهي:
1- إن تأسيس مراكز الدراسات من المهمات الكبيرة التي ينبغي أن يسعى فيها المؤمنون وأن يبذلوا لها الأموال تماما مثلما هي سائر القربات والمؤسسات الدينية كالمساجد والحسينيات والمراكز الإسلامية التبليغية ، ولا تقل أهمية عنها ، فكل عنوان من هذه العناوين يقوم بدوره في ضمن المنظومة الإسلامية العامة في التبليغ ونشر الفكر الديني الحق.
2- اننا وجدنا أن كثيرا من الكتب المعادية والدراسات المضللة قد صدرت من مراكز دراسات أسسها وأنفق عليها أعداء الدين، وبقيت هذه المراكز تبث سمومها في الأمة، وقد اغتر بها وبأسماء من كتبوا فيها وأماكنهم بعض أبناء المسلمين، واعتمدوا للأسف عليها على أنها حقائق علمية لا تقبل النقاش! والحال أن كثيرا منها يفتقد العلمية والمنهجية الصحيحة في معالجة القضايا الدينية عموما والإسلامية والشيعية على وجه الخصوص. وطريق المواجهة لهذه الأفكار الخاطئة ـ بالإضافة إلى ردها والتحذير منها ـ هو القيام بتأسيس مراكز دراسات هادفة يخدم فيها المختصون العارفون بقضايا الدين، وبعد ذلك نشر نتائج دراساتهم على أوسع مدى ممكن.
3- إنه من المهم أن يعرف القائمون على مراكز الدراسات هذه ، وبشكل أخص العاملون والباحثون فيها ، أنهم لا يمارسون عملًا وظيفيا كسائر الأعمال، بل هم محكومون بهدف حدده الباري سبحانه في الكثير من آيات كتابه الكريم مثل ( ادع إلى سبيل ربك ..) فليس كتابة المقال أو إلقاء المحاضرة أو التحقيق في مبحث إلا ضمن إطار الدعوة إلى سبيل الله، وسبيل الله هو ما عليه أئمة الهدى (ع).
وهنا لا معنى لأن يقول شخص بأن هذا رأيي أو اجتهادي الشخصي في هذا الأمر أو ذاك. وإنما ينبغي للعاملين في هذه المراكز الالتزام بما عليه المسار العام للطائفة الحقة أتباع أهل البيت، وهو ما تلتزم به المرجعية العامة لهم.. فلا ينبغي بعد ذلك الخوض في مسائل خلافية حتى لا تكون مراكز الدراسات هذه منشأ لخلاف جديد، ولا ينبغي للعامل فيها والكاتب أن يعكس آراءه الشخصية المخالفة لهذا التوجه العام.
4- إننا نتفاءل بأن يكون مركز الدراسات الإسلامية العليا إضافة جدية ومهمة للنشاط الإسلامي الهادف، وأن يقدم للساحة الإسلامية والشيعية على وجه الخصوص دراسات ناضجة تزيد من إيمان المؤمنين وتدفع الشكوك والشبهات عنهم، وتثبت الخط الصحيح على أرضية صلبة من البراهين والأدلة.
هذا ولا يغرب عن بال القائمين على هذا المركز بان القران الكريم هو اول من تصدى لمسالة تحريف الكتب السماوية كالتوراة والانجيل بقوله تعالى ((فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ)) / المائدة – 13 ، وبقوله ((أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)) البقرة – 75 ، بخلاف القران الذي سلم من هذا التحريف لان الله قد حفظه ولم يوكل امر حفظه الى بشر، فقال تعالى ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) الحجر – 9، غير ان التحريف لحق بالنبي (ص) من الافتراء والكذب ووضع الاحاديث عليه، واليه أشار امير المؤمنين (ع) بقوله (أن وضع الحديث حدث في عصر النبي (ص)) الصدوق، الاعتقادات الإمامية، ص 118.
حيث يرى المحققون والباحثون أن رواد هذا الفعل في عصر النبي (ص) كان أبو هريرة، وكعب الأحبار، وأبيّ بن كعب وغيرهم.
وفي عصر أمير المؤمنين (ع)، شجع معاوية بن ابي سفيان على ازدهار هذه التجارة فصرف لها الملايين من الدراهم والدنانير من بيت المال، وكمثل على ذلك تساوم مع سمرة بن جندب بمبلغ اربعمائة الف درهم في مقابل ان يقول أن الآية ((ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا)) نزلت بعلي (ع)، وأن الآية ((ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله)) نزلت في ابن ملجم، فقبل بهذا العرض وقام خطيبا بأهل الشام وشاهدا على ذلك.
وهكذا أيها الأحبة استكمل الإمامان الباقر والصادق (ع) ما كان بدأه الإمام السجاد (ع) في كشف التحريف للحديث والدين والعقيدة الذي تلبس به الحكم المنحرف من قبل الخلفاء الأمويين والعباسيين. فانتشرت أفكار الجبر والتفويض والإرجاء والتجسيم وتشبيه الله تعالى بخلقه. وتعددت تيارات الغلو، وراجت الزندقة، وتزوير الحديث عن الإمامين (ع) ، حتى نقل عن الامام الباقر (ع) قوله (لا تقبلوا علينا حديثا إلا ما وافق القرآن والسنة أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة، فإن المغيرة بن سعيد لعنه الله دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبي، فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبينا محمد (ص)، فإنا إذا حدثنا قلنا: قال الله عز وجل، وقال رسول الله (ص)).
هذا وقد وصف الإمام الرضا (ع) دور عملية التزوير للحديث على أئمة اهل البيت (ع) في تلك الحقبة بقوله (إن مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام:
أحدها: الغلو
وثانيها: التقصير في أمرنا
وثالثها: التصريح بمثالب أعدائنا
ومن اجل هذا اخذ هذا المركز وغيره من المراكز المباركة على عاتقهم إزاحة هذا الستار بتحقيق تراث اهل البيت (ع) وتنقيته من كل الشوائب ليصب في بيان دعم الحقيقة للملأ واعطاء الحيوية لشريعة سيّد المرسلين، لهذا نبارك لكم ونشدّ على ايديكم في طرح هذه الدراسات والبحوث التي تعين الفقهاء وتهيء لهم بعض المقدمات التي تمكّن الفقيه والاكاديميين من الاحاطة بالموضوعات وخصوصياتها وتحمل عنهم بعض أعباء ما يبذلونه من جهود.
وبعد هذا الاستعراض نحيطكم علما باننا في هذا العصر (المريب والخطير على أبواب اطلاق الذكاء الإصطناعي بكل محاذيره واخطاره المرعبة في الدين في الحياة في التكنولوجيا، في السياسة والفن والتربية، في العلاقات المشبوهة والشذوذ والإنحراف، في العائلة والتربية الاجتماعية .. الخ، ومن الآن أخطركم قد يكون لكم منافسا ً حتى في الأمور الدينية والعقائدية والبحثية البحتة، حيث يكفيك أن تعطيه إشارة لتكوين بحث ما ؟ فيقدم لك نموذجا مخيفا ً كما تطلب منه سواء كان سلبا ً أو ايجابا ً هو حاضر أن يقوم بمقام المجهذ لمن يطلب منه المساعدة) لذا فإن عملكم سيكون عملا ً تخصصيا ً محضا ً، عمقه التنقيب والتحقيق وحبس الأنفاس لذا عليكم ان تشمروا عن سواعد الجد في مجال البحث والتقصي بهدف حفظ الإرث المحمدي العلوي.
هذا ومن الله اسال ان يوفق القائمين على إدارة هذا الصرح والعاملين فيه والساعين والباذلين والمنفقين والله يحفظكم جميعا.
((وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون))