مكتب سماحة المرجع الديني الآعلى السيد علي السيستاني (دام ظله)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد: فقد انتشرت في زماننا هذا ظاهرة ادعاء (السيادة) أي الانتساب الى آل البيت (عليهم السلام) عند أناس ينتمون الى عشائر وأسر لم تكن معروفة من قبل بذلك. وقد كثر الاختلاف في بعض العشائر بين من ينفي سيادتها ومن يثبتها، ونجم عن ذلك مظاهر سلبية اجتماعية كثيرة بين المؤمنين من مهاترات شديدة واحراجات بالغة بل وقطع صلة الارحام في حالات غير قليلة. ويحتج مدعو السيادة في الغالب بقصص وحكايات تزعم انتسابهم الى بعض الأسر العلوية المعروفة ويضيف اخرون الى ذلك التمسك باختبار الحمض النووي بزعم أنّه يُثبت تفرّعهم من أصول هاشمية ويساعدهم على ذلك بعض الباحثين عن الانساب حيث ينظمون لهم شجرة يلحقونهم فيها بشجرة بعض المعروفين بالسيادة من خلال التطابق في أسماء بعض اجدادهم ونحو ذلك.
فما هو توجيه سيدنا المرجع الأعلى (دام ظله) في هذا الموضوع الخطير الذي أصبح ظاهرة اجتماعية مقلقة؟
جمع من المؤمنين

ألجواب
بسمه تعالى
لا يجوز ادّعاء (السيادة ) لمن ينتمون إلى عشائر وأسر لم تُعرف بالسياد في مناطق سكناها بل عُرفت بخلافها جيلاً بعد جيل . مالم يستندوا الى مستندات قديمة وشواهد واضحة تعدّ من المناشئ العقلانية لحصول الاطمئنان بها وقلّما يكون ذلك، لِما علم ـ قديماً وحديثاً ـ من حرص أهل هذا النسب الشريف على حفظه عموماً، واشتهارهم به في بيئتهم نوعاً، وعدم ضياعه وخفائه فيها إلا قليلا، وليس في مقابل ذلك غالباً ـ مما يُساق شاهداً على الانتساب ـ سوى أمور لا تورث يقيناً ولا توجب وثوقاً، بل أقصاها الظن والتخمين الذي لاحُجّة فيه شرعاً، كما لا حجية لقول الباحثين في الأنساب الذين يعولون على الحدس والتظني في تنظيم شجراتها مثلما يحدث ذلك هذا العصر أحياناً، ولا عبرة أيضاً باختبار الحمض النووي في اثبات النسب البعيد فإنَّ أقصى ما يُمكن أن يدّعى إثباته به هو النسب القريب من قبيل انتساب الولد الى والديه فيما اذا عدَّ طريقة علمية بينة لا تتخللّها الاجتهادات الشخصية، ومن المؤكد انه لا يبلغ هذا المستوى في اثبات الأنساب البعيدة .
فعلى المؤمنين ـ وفقهم الله تعالى لمراضيه ـ الحذر من دعوى الانتساب بغير حجّةٍ قاطعة ورعاية الاحتياط والتثبّت في هذا الأمر المهم ، وليعلموا انّ الله تعالى خلق الخلق أقواماً من أنسابٍ شتى ولم يرخص في أن ينتسب المرء إلى غير من ينتسب إليه . قال عزَّ وجل : ( ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ) وورد في الحديث الشريف عن النبي (صلى الله عليه وآله ) اللعن على (من انتمى إلى غير أبيه )، والتشديد في (ادعاء نسبٍ لا يُعرف ). فمن شبّه الأمر على نفسه وأقربائه فادّعى النسب الشريف بغير حجَّة ظاهرة فقد ارتكب خطيئة ولم يبارك الله سبحانه له في انتسابه ولم يسعد به في دنياه وكان وبالاً عليه في يوم القيامة، وإذا تلقى بذلك جاهاً أو مالًا لم يستحقّه فإنّما تلقّى حراماّ وسحتاّ ، ومن تورّع عن ذلك فقد وقى نفسه الخطيئة ووفد على الله تعالى كريماً وقدّر له تورّعه، ومن كان قد أخطأ من قبل وظنَّ صحّة عمله ثم رجع إلى الحق فلا غضاضة عليه في خطئه ولكن عليه اذا كان قد اقنع به آخرين أن يرشد من اتّبعه وليوثق ذلك حتى ترتفع الشبهة عنه، ومن ثبت على موقفه الخاطئ وأصر عليه صار خطؤه خطيئة وحُمّل وزره ووزر من تبعه.
وعلى أبناء العشيرة التي يدّعي بعض أفرادها (السيادة) من دون حجّةٍ قاطعةٍ عدم تصديق دعواهم، وعلى من اعتقد صحتها عدم الالحاح على غيره بقبولها وترتيب الآثار عليها، وعلى جميع الاطراف عدم جعل الاختلاف حول هذا الأمر سبيلاً الى المهاترات والمشاحنات وسبباّ لقطيعة الارحام، بل عليهم التعامل فيما بينهم بالرفق والحسنى ومراعاة الاخوة الايمانية التي تجمعهم بغض النظر عن أيّ علقة أخرى، والله الهادي إلى سواء السبيل
١٧ ربيع الآخر ١٤٣٨ هـ

اترك تعليق