ممثل المرجعية العليا في أوروبا يعزي العالم الاسلامي بشهادة أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالب (ع) ويقول:

• لم ينع جبرئيل بين السماء والأرض نبياً ولا وصيًا عند وفاته كما نعى علي بن أبي طالب (ع) عند شهادته
• الصحابي الوحيد الذي رعاه النبي ورباه منذ نعومة أظفاره هو الإمام علي (ع)
• لم يسم النبي أحدًا من أقربائه ولا من أصحابه بما وسم به الإمام عليًا بقوله أنا مدينة العلم وعلي بابها
• علي (ع) هو الفارس الوحيد الذي اعتلى منكبي النبي (ص) بأمره وطهر الكعبة من الأصنام والأوثان
• لم يولد ولم يستشهد نبي أو وصي نبي في بيت من بيوت العبادة سوى علي بن أبي طالب (ع) فكانت ولادته في قلب البيت الحرام وشهادته في مسجد الكوفة
• لم يبك النبي أحدًا من أهل بيته ولا من أصحابه قبل وقوع شهادته إلا عليًا والزهراء والحسن والحسين (ع)
• هنأ الشعب العراقي والمرجعية العليا بالانتصارات التي تحققت على أيدي القوات الأمنية والحشد الشعبي وتضرع إلى المولى بأن يصون العراق ويحفظه من أيدي المعتدين.
18 رمضان 1437هـ

جاء حديثه هذا ضمن سلسلة أحاديث نقلتها له بعض وسائل الإعلام في شهر رمضان منتقيًا عناوينها من خطبة الرسول التي خطبها في أول الشهر الكريم. ومنها هذا النص: قال امير المؤمنين (ع) : فقمت وقلت : يارسول الله ! ما أفضل الأعمال في هذا الشهر ؟ فقال : يا أبا الحسن ! أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عز وجل ، ثم بكى ، فقلت : يا رسول الله ! ما يبكيك ؟ فقال : يا علي ! لما يستحل منك في هذا الشهر ، كأني بك وأنت تصلي لربك وقد انبعث أشقى الأولين والآخرين ، شقيق عاقر ناقة ثمود ، فيضربك ضربة على قرنك تخضب منها لحيتك .قال أمير المؤمنين (ع) فقلت : يارسول الله ! وذلك في سلامة من ديني ؟ فقال (ع) : في سلامة من دينك.

إنها لفاجعة عظمى ونازلة كبرى ألمت بالعالم الإسلامي مما كانت سبباً لبكاء النبي (ص) قبل وقوعها بنصف قرن ولعظم هذه المصيبة نعاه جبرئيل بين السماء والأرض : (تهدمت والله أركان الهدى ، وانطمست والله نجوم السماء وأعلام التقى ، وانفصمت والله العروة الوثقى ، قتل ابن عم محمد المصطفى ، قتل الوصي المجتبى ، قتل علي المرتضى ، قتل والله سيد الأوصياء ، قتله أشقى الأشقياء) هذا النعي أحزن ملائكة السماوات والأرض وأبكى عموم المسلمين من مشرقها إلى مغربها. وإن هذه الظاهرة (النعي) لم تحصل لنبي ولا لوصي سوى أمير المؤمنين (ع) وذلك لما كان يتمتع به من مزايا انفرد بها عن غيره.

ونحن حينما نلتقيه في أيام شهادته فكأننا نلتقي بالقرآن كله (علي مع القرآن والقرآن مع علي) وبالإسلام كله لأن الإسلام تجسد في علي فكرًأ وعملًا وعايشه من خلال مرافقته لرسول الله (ص) منذ طفولته وهو في السنة الثانية من عمره الشريف.فكان يضمه ويعلمه ويربيه ويحدثه وعن تلك الفترة قال علي (ع): (ولقد قرن الله به من لدن أن كان فطيماً، أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره”. وكان عليّ (ع) يعيش ذلك، وعندما بعث الله نبيّه بالرّسالة، كان عليّ (ع) يختزن روحيّة الإسلام التي اختزنها رسول الله (ص) قبل أن يبعث بالرسالة، لأنَّ الله سبحانه كان يعدّ رسول الله(ص) قبل أن يُبعث للرّسالة التي تمتدّ للحياة كلها، وهي رسالة تختلف عن الرسالات كلّها، لأنه ما من رسول إلا ولرسالته حدّ معين من الزمن من بعده، ليأتي رسول آخر فيبدأ رسالة جديدة، ولكنَّ الله أعدّ لرسوله رسالةً تمتدّ مع الحياة من بعده إلى قيام السَّاعة، ((مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ الله وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ))، وهو القائل: (لا نبيَّ بعدي).

ولذلك، كان الله تعالى يعدّ رسوله المستقبليّ إعداداً في روحه، لتكون روحه كلّها روحاً رسوليّة، وفي عقله ليحمل عقله عمق الرّسالة وامتدادها، وفي قلبه ليكون له قلب الرّسول الّذي يحرص على أمّته، ويشقّ عليه ما يشقّ عليها، ويرأف بها ويرحمها، ويلين قلبه ولسانه لها، ويتحرّك معها، وأراد أن يعدَّه ليكون في دربه الّذي هو درب الرّسالات الّذي يتحمّل فيه كلّ ضريبة الرّسالة، في الجهد الّذي يبذله، والتّحدّيات الّتي يواجهها، والمشاكل الّتي تفترس مجتمعه كلّه، ليكون الصّابر الصّامد الّذي ما أوذي نبيّ مثلما أوذي، ولكنّه كان القويّ بالله المنفتح عليه وعلى الإنسان من خلاله.

وهكذا عاش عليّ (ع) هذا الجوَّ كلّه، فكان في بيت رسول الله (ص) الشَّخص الثّالث، لأنه كان يضمّ الرّسول وخديجة وعليّاً، وكان يقضي معه ليله ونهاره، وقد ولد في الكعبة وكان مع رسول الله وخديجة أوّل المصلّين فيها، فكان رسول الله (ص) يتقدَّمهما، وكان عليّ (ع) في جناحه الأيمن، وكانت خديجة الشّخص الثّالث وراءهما.

وعاش مع رسول الله (ص) في المرحلة الَّتي اضطهد المشركون الرّسول فيها، ويُقال إنّه كان يدافع عنه عندما كان مشركو قريش يثيرون الصّبيان ضدّه، وكان يسمع ويرى الوحي، ولكنّ النبيّ (ص) قال له: (إنّك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلا أنّك لست بنبيّ). وامتدّ مع النبيّ (ص) علماً وخُلقاً وروحانيّة وحركيّة وتضحية، حتى بات على فراشه والخطر يتهدّده، ليغطّي هجرته من مكّة إلى المدينة بسلام، وعندما سأل الرّسول: (أوَتسلَم يا رسول الله؟ قال: بلى، قال: اذهب راشداً مهديّاً).

وانتقل مع الرّسول (ص) بعد أن أدّى أماناته، وانفتح ـ بعد ذلك ـ باب جديد لعليّ (ع)، إذ لم يكن قد تدرّب على الحرب، ولكنّه كان الفارس الأوَّل في (بدر) وفي (أحد) و(الأحزاب) و(حنين) و(خيبر)؛ كان الفارس المجلّي الّذي شهد له المسلمون كلّهم بأنّه هو الفتى الّذي قال جبريل (ع) عنه: (لا فتى إلا عليّ، ولا سيف إلا ذو الفقار).

أما عن تجربته العلمية مع رسول الله فقد حدّثنا هو (ع) عنها فقال: (علَّمني ـ رسول الله ـ ألف باب من العلم، فتح لي كلّ بابٍ ألف باب)، ويروي المسلمون سنّة وشيعة أنّ الرّسول (ص) قال: (أنا مدينة العلم وعليّ بابها).

وكان إلى جانب ذلك، المنفتح على الإسلام كلّه، وعلى الواقع الإسلاميّ كلّه، حتى إنّه حين أُبعد عن حقّه في الخلافة والمشورة، رأى أنَّ مسؤوليَّته هي أن يساعد ويعاون ويعطي الرأي والنّصيحة والشّورى، لأنّ القضيّة هي قضيّة الإسلام كلّه.. وسرّ عليّ (ع) في ذلك كلّه ينطلق من عمق واحد، أنّه كان الإنسان الّذي أعطى نفسه كلَّها لله، ويروي المفسّرون أنَّ الآية الكريمة: ((وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ الله وَالله رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ))، نزلت في عليّ (ع).

وعاش (ع) مع الله ليله ونهاره، حتى ورد في بعض سيرته أنَّه إذا سجد بين يدي الله، تحوّل كالخشبة اليابسة، حتى جاء شخص إلى أهله فقال لها: (عظّم الله أجرك في عليّ، قالت: كيف وجدته؟ قال: وجدته ساجداً فحركته، فإذا لا حراك به، قالت: تلك غشية تغشاه عندما يسجد بين يدي الله).

وهكذا نراه عندما اشتدّ الحرب في (صفين) ليلة الهرير، افتقدوه، فوجوده يصلّي بين الصفّين، فقالوا: يا أمير المؤمنين، أهذا وقت الصَّلاة؟ قال: (علام نقاتلهم…؟ )، فكأنّه أراد أن يقول إنَّ غاية هذا القتال هو عمق الصّلاة وإيحاءاتها وحركيّتها، وكلّ ما تعطيه من النّهي عن الفحشاء والمنكر.

ومن أدعيته عليه السلام مع نفسه قوله: (اللّهمّ اغفر لي ما أنت أعلم به مني.. فإن عدْتُ فعُد عليّ بالمغفرة، اللَّهمَّ اغفر لي ما وأيت (عدت) من نفسي ولم تجد له وفاءً عندي). فعليّ (ع) لا يستغفر عن ذنب، ولكن عن تواضع وانحطاط لله سبحانه وتعالى، كما لو كان في حالة ذنب ـ وهو المبرأ من الذّنوب ـ وكأنّه يعلّمنا كيف نتحدّث مع الله، بأنّنا إذا أذنبنا نتوب ثم نذنب، ومع ذلك، فإنّ الله العارف بأنّنا الخطّاؤون، لأنَّ شهواتنا وظروفنا تضغط علينا، يريد منّا إذا أذنبنا أن نتوب، فإذا عدت تُب من جديد، لأنَّ الله يخاطب الذين أسرفوا على أنفسهم، ((قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً)).

ويقول: (اللّهمّ اغفر لي ما تقرَّبت به إليك بلساني ثم خالفه قلبي)، فقد أقدّم إليك يا ربّ بلساني الكثير من كلمات التّوبة والخير والعهد والوعد، ولكنَّ قلبي وهو يسمع في خفقاته لساني، كان ينبض بالتّخطيط لنقض العهد فيما أستقبل من عمري. وهكذا كان علي يسمو ويسمو ويسمو، لأنَّه عاش مع الله ولله، وكانت حياته قد انطلقت في صرخته الأولى في الكعبة، وكأنها تهليلة وتكبيرة لله، وصلّى في الكعبة مع رسول الله (ص)، وكان أوّل من صلّى بعده وحطّم الأصنام على الكعبة وفاءً لله، وهو يرقى على كتف رسول الله (ص)، وكانت حياته كعبةً كلّها ومسجداً كلّها وإخلاصاً لله كلّها، حتى إذا كانت التكبيرة الأخيرة في مسجد الكوفة في صلاة الجماعة، استشهد وهو يقول (الله أكبر)، وهنا أطلق عليّ صرخة الفرح الرّوحيّ، لأنّه فاز بالشّهادة، ولأنّه قتل بين يدي الله وفي محراب الله، قال: (بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله، فزت وربِّ الكعبة).

أيّها الأحبّة، هذا هو عليّ (ع)، ومسؤوليّتنا أن ننتمي إليه، لا أن نهتف باسمه فقط، وهو الّذي يقول: (ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورعٍ واجتهاد وعفّةٍ وسداد)، فأين الورعون في خطّ عليّ؟ وأين المجتهدون في طاعة الله في خطّ عليّ؟ وأين الأعفاء؟ أين الذين يتحركون في خط السداد؟ إنّ عليّاً ينتظرنا هنا، ونحن في امتحان أن نسير على خطّه، فهل ننجح في الامتحان؟!

وما دمنا في هذه الأجواء الروحية من منهج علي (ع) وسيرته فلا بد لنا أن نذكر جهاد المجاهدين الذين أرخصوا أرواحهم في سبيل الحفاظ على المقدسات وأرض النبوات أرض العراق العزيزة، وطهروها من دنس المعتدين. فصاعد الله بأرواحهم إلى أعالي جنانه ومن على الجرحى بالشفاء والعافية.

وبهذه المناسبة (الانتصارات) نرفع التهاني إلى الشعب العراقي وفي مقدمتهم المرجعية العليا سائلين المولى سبحانه وتعالى أن يحفظ العراق وأهله ويحمي تراب الوطن وأهله ومقدساته من كل معتدٍ أثيم.

((إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ))

اترك تعليق