ممثل المرجعية العليا في اوربا يهنئ العالم الاسلام بذكرى ولادة الامام الرضا عليه السلام

    0
    7746

    10 ذو القعدة 1438هـ

    هنأ سماحة السيد مرتضى الكشميري ممثل المرجعية العليا في أوربا العالم الإسلامي بذكرى ولادة الامام الرضا عليه السلام وذلك خلال كلمته التي القاها مركز لأمام الرضا عليه السلام في مدينة بيتربرا البريطانية وهذا نصها .

    تطل علينا ذكرى ولادة ثامن ائمة المسلمين، الامام علي بن موسى الرضا (ع) سليل اولئك الذين اذهب الله عنهم الرجس اهل البيت وطهرهم تطهيرا، والذين لم تنجسهم الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسهم من مدلهمات ثيابها، وحفيد من باهل بهم رسول الله (ص) نصارى نجران، وهو فرع شجرة النبوة ومعدن العلم واهل بيت الوحي، وهو ابن ذلك الامام العظيم الذي اجمعت الامة على تفضيله وتقديسه ومنحته لقب (العبد الصالح) وسمته كاظم الغيظ اعترافا بخصائصه الفذة ومكانته الفريدة في الورع والدين والسلوك.

    ان المقام يضيق بنا عن بيان ما لعالم ال محمد (الرضا) من الفضل والكمال الذي امتاز بهما على اهل زمانه حتى شهد له بذلك القاصي والداني، ولن يستطيع اهل الدنيا ان يصلوا الى عشر معشار هذا الشرف الاصيل والمجد الاثيل والقمر الزاهر والنور الباهر.

    والجدير بالمسلمين جميعا وخصوصا جيل الشباب منهم ان يطّلعوا على هذه السيرة العطرة والتاريخ النير لهذه الكوكبة الطاهرة في زمن تبذل فيه المحاولات الحقيقية والجادة لطمس هذا التاريخ الناصع والقاء الستار الكثيف عليه كونهم القدوة بعد رسول الله (ص) في سلوكهم وسيرتهم والمثل الاعلى االذي يحتذى به، ولكن وبحمد الله رغم كل هذه المحاولات المتواصلة نجد هذا النور الوهاج والتاريخ الوضاء يشق عنان السماء لهداية البشرية إن التزمت بخطهم ومنهجهم، لان الله قد تعهد لاوليائه واصفيائه بأن ينصرهم على اعدائهم ((يريدون ان يطفئوا نور الله بافواههم ويابى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون)).

    وعلى اولئك المعجبين بحضارة الغرب ان يمعنوا النظر في العلوم المتنوعة التي حث الائمة (ع) على معرفتها والاستفادة منها لقول الامام الصادق (ع) (رحم الله عبدا حببنا إلى الناس، ولم يبغضنا إليهم. أما والله لو يروون محاسن كلامنا لكانوا به أعز، وما استطاع أحد أن يتعلق عليهم بشيء ولكن أحدهم يسمع الكلمة فيحط إليها عشرا) وقول الامام الرضا (ع) (رحم الله عبدا أحيا أمرنا، فقلت له: كيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فإنّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا).

    ولهذا قام الامام (ع) بنشر هذه العلوم والمعارف عبر تلامذة مدرسة اهل البيت (ع) الذين بلغوا في عصره 900 شيخ ينشرون علوم ال محمد (ص)، مضافا الى هذا فقد فتح (ع) باب مدرسته على مصراعيها لمن يسأل ويتعلم، وكان لا يتحرّج من الاجابة عن كل مسألة سواء وافقه السائل في الراي او خالفه، وعن مسائل الحلال والحرام وعن الشبهات التي كان يثيرها البعض عن القران والاشكالات عن الاحاديث الواردة عن النبي والعترة الطاهرة (ع).

    يقول إبراهيم بن العباس: ما رأيت الرضا سُئل عن شىء إلا علمه، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقت عصره.

    وكانت (ع) اجوبته انتزاعية من القران، فمثلا يأتيه شخص يقول له ان رجلا قال عند موته: كل مملوك لي قديم فهو حر لوجه الله، قال: نعم، إنّ الله يقول في كتابه ((حتى عاد كالعرجون القديم)) فما كان من مماليكه اتى له ستة أشهر فهو قديم حر.

    ويأتيه اخر ويقول يا بن رسول الله ما معنى قوله تعالى ((وُجوهٌ يَومَئِذٍ ناضِرَةٌ ، إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ)) فيجيب الامام (ع) بقوله النضارة من الاشراقة والنور وليس من النضر رؤية العين لان الانسان ينظر بعينه لا بوجهه، فيقال عين ناضرة لا وجه ناظر، ثم انك اذا جعلت للباري وجها فمعناه انك جعلت له جمسا فجسمته، واذا صار له جسم كان محدود، واذا مكان محدودا لا يكون الها.

    ويسأله اخر عن قوله ((وجاء ربك والملك صفا صفا)) فقال (ع) إن الله عز وجل لا يوصف بالمجئ والذهاب، تعالى عن الانتقال، إنما يعني بذلك وجاء أمر ربك والملك صفا صفا.

    واما رده على الشبهات القرانية التي كانت يثيرها البعض على القران وعلى الاحاديث الواردة عن النبي وائمة اهل البيت (ع):

    فمن القران ما جاء السؤال عن قوله تعالى ((حتى اذا استياس الرسل وظنوا انهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد باسنا عن القوم المجرمين)) وكيف يصح ان يقول القران ((استيأس الرسل)) مع ورود اية اخرى تقول ((ولا تيأسوا من روح الله)) فكيف نجمع بين الاية الاولى والثانية التي تجعل اليأس مساويا للكفر بالله تبارك وتعالى؟ وقد اجاب الامام (ع) بجواب بغاية الروعة والجمال ابان فيه بأن اليأس الحاصل من الرسول ليس من الفرج والنصر والالهي بل اليأس من هداية قومهم، وكم فرق بين المعنيين!.

    وفي رده على الشبهات الواردة على احاديث النبي (ص) والائمة (ع) فقد حقق فيها انجازا كبيرا للفكر الاسلامي من خلال شرحه للأحاديث النبوية المنتشرة بين الناس، والتي يختلط فهمها على الكثير، بالإضافة إلى أنّ البعض منها قد يكون ضعيفاً من ناحية السند. لأنّ هناك الكثير من الأحاديث الواردة عن النبي المصطفى (ص) وأئمة أهل البيت (ع) لا تنطبق عليها موازين العقيدة الصحيحة والسليمة الواردة في القرآن الكريم أو في الأحاديث الصحيحة من حيث السند والواضحة من حيث الدلالة. ووجود هذا النحو من الأحاديث التي توجب الالتباس والشك أدى إلى لجوء البعض إلى الإمام الرضا (ع) واستفساره عن حقيقة هذه الأحاديث، وبالأخص ما يظهر منها القول بالتشبيه والجبر، كما فعل ذلك الحسين بن خالد- أحد أصحاب الإمام – عندما قال للإمام (ع): (إنّ الناس ينسبوننا إلى مدرسة أهل البيت (ع) إلى القول بالتشبيه والجبر لما روي من الأخبار عن آبائك (ع)) فقال الإمام (ع): (يا بن خالد، أخبرني عن الأخبار، التي رويت عن آبائي في الجبر والتشبيه أكثر أم الأخبار التي رويت عن النبي (ص) في ذلك؟)، فقال ابن خالد للإمام: (بل ما ورد عن النبي في ذلك أكثر)، يعني إذا أجرينا مقارنة بين الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت (ع) في الجبر والتشبيه والروايات الواردة عن النبي (ص)، سنجد أنّ الروايات الواردة عن النبي أكثر بكثير مما ورد عن الأئمة . ونلاحظ أنّ الإجابة التي أعطاها الإمام تقوم على برهان دقيق وعميق معنا، لأنّ الإمام (ع) يقول: (فليقولوا إنّ رسول الله (ص) كان يقول بالتشبيه والجبر)، فقال له الحسين بن خالد: إنّ هؤلاء يُجِلّون النبي عن التشبيه، ويقولون لا يعقل ورود التشبيه عن النبي (ص)، بل هذه الأحاديث مكذوبة عليه، ويقولون إنّ رسول الله (ص) لم يقل شيئاً من ذلك، وإنما روى الرواة كذباً على الرسول (ص). ونجد الدقة في جواب الإمام، فهو جواب نقضي وحلي في آن واحد، على حسب قواعد المنطق وأصول الاستدلال، قال الإمام (ع): (فليقولوا في آبائي الأئمة أنهم لم يقولوا شيئاً من ذلك)، كما يقولون في النبي (ص)، وإذا كان الميزان أنّ ما فيه تشبيه أو جبر لم يصدر عن النبي، فكذلك، أيضاً، التشبيه والجبر لم يصدر عن الأئمة من أهل البيت (ع)، باعتبار أنهم شجرة واحدة ونهر واحد، وطريق واحد يتصل بين الأرض والسماء، ثم قال (ع) لابن خالد: (من قال بالتشبيه أو الجبر فهو كافر ومشرك، ونحن بُراء منه في الدنيا والآخرة، يا بن خالد لقد وضع الأخبار عنا في الجبر والتشبيه، الغلاة، الذين صغّروا عظمة الله، فمن أحبهم فقد أبغضنا، ومن أبغضهم فقد أحبنا، ومن والاهم فقد عادانا، ومن عاداهم فقد والانا، ومن وصلهم فقد قطعنا، ومن جفاهم فقد برّنا)، فنلاحظ أنّ الإمام (ع) يتبرأ من الجبر والتشبيه، ويبين معنى التنزيه للذات المقدّسة لله تبارك وتعالى، ثم يقول: (ومن أهانهم بردِّ مقالتهم فقد أكرمنا، من كان من شيعتنا فلا يتخذ منهم ولياً ولا نصيراً)، فهو (ع) يبين أسلوب التعامل مع مثل هؤلاء الذين يقولون بالجبر والتشبيه، ويجعلون الله تبارك وتعالى كخلقه، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

    ولهذا راينا المأمون العباسي كان يمتحن الامام بالسؤال عن كل شىء فيجيبه (ع) على ذلك الجواب الشافي. حتى عقد له مجلسا في خراسان احضر فيه اكابر العلماء من مختلف البلدان والمذاهب والاديان وسألوه عن اكثر من عشرين الف مسألة في ابواب متفرقة من العلم فأجابهم بجواب العالم الخبير المتخصص، فابهروا بسعة علومه حتى دان الكثير منهم بامامته.

    وما احوجنا اليوم الى اخذ الدروس والعضات والعبر من سيرة الامام (ع) وسلوكه، فقد اوضح (ع) في كلماته العطرة والطيبة ما ينبغي للمؤمن أن يكون عليه في مساره إلى الله من خلال مسائل متعددة:

    أولاً: التأكيد على التحلي بسمات العبودية لله. ولذا، عندما سُئل الإمام (ع) عن خيار العباد الذين تتوافر فيهم سمات العبودية لله، قال: (الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساءوا استغفروا، وإذا أُعطوا شكروا، وإذا ابتلوا صبروا، وإذا غضبوا عفوا)، وهذا ما نجده في الإنسان إذا صدر منه السلوك الحسن فإنه يستبشر ويفرح ويشعر بالسعادة، وتظهر على وجهه ومحياه آثار أعمال الخير التي تصدر منه، وأما إذا ارتكب جانحة أو ذنب أو صدر منه شيء لا ينسجم مع القواعد ولا يتلاءم مع جادة الشرع الحنيف، فإنه يستغفر الله تبارك وتعالى، ويرجع إليه تائباً، (وإذا أُعطوا شكروا)، هؤلاء المؤمنون يشكرون سواءً كانت العطية والمنة والنعمة من الله أو من الخلق، فبمجرد أن تُقَدِم له إحساناً ترى آثار الشكر والامتنان في أقواله وأفعاله، التي تُدلل على الخلق السامي في شكر ما حصل إليه، ولذلك يقول: (وإذا أُعطوا شكروا، وإذا ابتلوا صبروا)، إذا أصابت أحدهم مصيبة أو مرّ ببليّة صبر، (وإذا غضبوا عفوا)، إذا تعرض لهم أحد بإساءة أو إهانة ترى من سجيته ومن شيمه العفو.

    ثانياً: إيضاح مفهوم التوكل، فقد سُئل (ع) عن حد التوكل، فقال: (ألاّ تخاف أحداً إلا الله)، هذا هو الحد الأعلى للتوكل، أن ترى الله تبارك وتعالى حاضراً ومحيطاً ومهيمناً على كل ذرات عالم الوجود، بحيث لا تخاف من أي أحد من الخلق أبداً، لأنه لا يستطيع أحد أن يضرك مادمت متوكلاً على الله، ولقد أبان ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: ((مَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً)).

    فعلينا ايها الاحبة ان نلتزم بتطبيق نصائح الامام (ع) التربوية والاخلاقية لنكون المصداق الامثل للقدوة الحسنة والدعاة الى فكر واخلاق اهل البيت (ع) تطبيقا لقول الصادق (ع):

    (رحم الله عبداً اجتر مودة الناس إلينا ، فحدثهم بما يعرفون وترك ما ينكرون)

    فسلام عليك يا ابا الحسن الرضا يوم ولدت ويم عشت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا

    اترك تعليق