22ذي القعدة 1440هـ

صلى ممثل المرجعية العليا في اوربا سماحة السيد مرتضى الكشميري صلاة الجمعة في (مسجد العلي) في لوتن البريطانية وهذا نص خطبته .

بسم الله الرحمن الرحيم

((لئن شكرتم لازيدنكم))

ان الشكر لله هو من اشرف الاعمال وافضالها، ومعناه هو استعمال النعمة واظهار كونها من المنعم، وهذا الاظهار يتجلى بثلاث صور: (القلب) و(اللسان) و(الافعال).

اما القلب فهو: الخضوع والخشوع والمحبة لله.
واما اللسان: فالثناء والمدح له سبحانه وتعالى.
واما الاعضاء والجوارح: فطاعتها في رضا المنعم واجتناب كل ما لا يرضاه تعالى، يقول الامام امير المؤمنين (ع) (اقل ما يلزمكم لله ان لا تستعينوا بنعمه على معاصيه) كاستخدام العين والبصر فيما حرم الله ، واستخدام الاقدام بالسعي الى المعاصي، وكذلك بقية اعضاء البدن التي انعم الله بها على الانسان. وروي عن الامام الصادق (ع) قوله (شكر النعمة اجتناب المحارم وتمام الشكر قول الرجل الحمد لله رب العالمين).
ان شكر االانسان لله تعالى يجب ان يكون عن طريق المعرفة والاعتراف بان كل ما لديه من نعم نزلت او تنزل عليه فهي من الله تعالى ومن فضله وكرمه، وان حصول هذه النعمة هو شكر لله، وقد ورد بان الله أوحى الى موسى (ع) (يا موسى اشكرني حق شكري فقال: يا رب كيف أشكرك حق شكرك؟ ليس من شكر أشكرك به إلا وأنت أنعمت به علي، فقال: يا موسى شكرتني حق شكري حين علمت أن ذلك مني).

وكان علي بن الحسين عليهما السلام يقول في تسبيحه (سبحان من جعل الاعتراف بالنعمة له حمدا، سبحان من جعل الاعتراف بالعجز عن الشكر شكرا).

وكان (ع) إذا قرأ هذه الآية ((وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها)) يقول: سبحان من لم يجعل في أحد من معرفة نعمه إلا المعرفة بالتقصير عن معرفتها! كما لم يجعل في أحد من معرفة ادراكه اكثر من العلم بأنه لا يدركه.

فشكره تعالى معرفة العارفين بالتقصير عن معرفة شكره، فجعل معرفتهم بالتقصير شكراً، كما علم العارفين بأنهم لا يدركونه، فجعله إيمانا، علماً منه أنه فقد وسع العباد فلا يتجاوز ذلك، فان شيئاً من خلقه لا يبلغ مدى عبادته، فكيف يبلغ مدى عبادته من لا مدى له ولا كيف؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. وقال أبو الحسن (ع) (من حمد الله على النعمة فقد شكره، وكان الحمد لله افضل من تلك النعمة).

ومن شكر الله عز وجل هو شكر الاخرين على ما يزدونه اليه من معروف لقول الامام الرضا (من لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر الله عز وجل).
من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق.

وعن الامام زين العابدين (ع) في رسالة الحقوق (يقول الله تعالى لعبد من عبيده يوم القيامه: اشكرت فلانا؟ فيقول: بل شكرتك يا رب فيقول: لم تشكرنى اذ لم تشكره).

ويعلمنا الامام زين العابدين كيف نشكر المعروف علينا (أما حق ذي المعروف عليك فأن تشكره وتذكر معروفه، وتكسبه المقالة الحسنة، وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله عز وجل، فإذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرا وعلانية، ثم إن قدرت على مكافأته يوما كافيته) يقول (ع) (اشكركم لله اشكركم للناس).

هذا وينبغي ان نعرف ان شكر النعم يكون بحسب مقدرتنا المتيسرة وهي محدودة فلا احد من المخلوقين يستطيع ان يؤدي حق شكره لله تعالى والسبب في ذلك ان كمال الشكر يتبع كمال التعرف على المنعم واحسانه بحيث ان احدا لم يعرفه حق معرفته لم يستطع ان يقوم بحق شكره فمنتهى ما يصل اليه الانسان من الشكر ان يعرف عجزه من النهوض حق شكره تعالى كما ان غاية العبودية ان يعجز عن اداء عبوديته.

هذا ومن افضل النعم الالهية التي انعمها الله عز وجل علينا ولا نستطيع اداء شكرها، ولاية الامام امير المؤمنين وابنائه الائمة الطاهرين (ع)، فهي اكمل النعم واتمها في القران لقوله ((اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا)) ومن هذا وغيره نستخلص انه لا تقبل العبادة ولا يكون العمل عملا صالحا الا بالولاية لقوله تعالى ((واشكروا نعمت الله ان كنتم اياه تعبدون)).

وقد ورد عن الامام الباقر (ع) بان الله سبحانه وتعالى شكر عليا (ع) في موضعين من القران: قوله تعالى ((سيجزي الله الشاكرين)) وقوله تعالى ((سنجزي الشاكرين)) كما جاء عن ابن عباس ، ولم يرد جزاء للشكر الا في هاتين الايتين.

نسأل من المولى سبحانه وتعالى ان يجعلنا من الشاكرين لنعمائه والائه انه ولي التوفيق.

اترك تعليق