ممثل المرجعية العليا في أوروبا يعزّي العالم الإسلامي بشهادة سادس أئمة المسلمين الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) ويقول :
ان الائمة الأطهار (ع) كلهم دعاة إلى الوحدة والمحبة بين بني البشر عامة والمسلمين خاصة

جاء حديثه هذا في مؤتمر الامام الصادق (ع) الرابع عشر والذي عقد في مدينة اسكلستونا السويدية في حسينية الزهراء (ع)، بحضور جمع من العلماء والأدباء والمثقفين وأبناء الجاليات الإسلامية حيث القيت الكلمات والقصائد بالمناسبة، وتحدث العلامة السيد مرتضى الكشميري بكلمة عنوانها (الإمام الصادق رائد الوحدة الإسلامية) واليكم نصها:

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين السلام عليكم أيها المؤمنون والمؤمنات ورحمة الله وبركاته
نبارك لكم هذا الملتقى، وأقول:
ان الأئمة الأطهار (ع) كلهم دعاة إلى الوحدة والألفة والمحبة بين بني البشر عامة وبين المسلمين خاصة ،ولكن لكوننا في أيام شهادة سادسهم وهو الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) فمن المناسب أن نتحدث عن منهجه (ع) في الحفاظ على وحدة المسلمين ووأد الفتن ونزع شرارة الاختلاف بينهم ويمكننا أن نلاحظ في هذا الشأن مواقف متعددة للإمام (ع):
الأول: نهى (ع) أصحابه عن الخوض في المسائل التي تنشر الفرقة والاختلاف كما في قضية خلق القرآن ومسألة القضاء والقدر وغيرها وكان (ع) يدعوهم -إن اضطروا للخوض في هذه الأمور- إلى تبني منهج القرآن في الحوار الهادف وكان (ع) يقول لهم:(إياكم والخصومة في الدين ، فإنها تشغل القلب عن ذكر الله عز وجل ، وتورث النفاق ، وتكسب الضغائن ، وتستجيز الكذب)، وقوله (ع) :(اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ لِلَّهِ ، وَلَا تَجْعَلُوهُ لِلنَّاسِ ؛ فَإِنَّهُ مَا كَانَ لِلَّهِ ، فَهُوَ لِلَّهِ ؛ وَمَا كَانَ لِلنَّاسِ ، فَلَا يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ ، وَلَا تُخَاصِمُوا النَّاسَ لِدِينِكُمْ؛ فَإِنَّ الْمُخَاصَمَةَ مَمْرَضَةٌ لِلْقَلْبِ ؛ إِنَّ اللَّهَ تَعَالى قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ : ((إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ)) وَقَالَ ((أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)) (ذَرُوا النَّاسَ، فَإِنَّ النَّاسَ أَخَذُوا عَنِ النَّاسِ، وَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ …).
وقد رأينا منهجه هذا بوضوح حتى في التعامل مع الملاحدة والزنادقة وكيف حاورهم بأسلوب هادف وقد شهدوا بأنفسهم بذلك إذ يروي لنا بعض أصحاب الإمام وهو المفضل بن عمر أنه سمع بعض هؤلاء يتكلم في أمر الخلق وينكر أن للعالم صانعا فقال -أي المفضل-:(فلم أملك نفسي غضبا وغيظا وحنقا فقلت : يا عدو الله ألحدت في دين الله ، وأنكرت الباري جل قدسه الذي خلقك في أحسن تقويم ، وصورك في أتم صورة ، ونقلك في أحوالك حتى بلغ بك إلى حيث انتهيت ، فلو تفكرت في نفسك وصدقك لطيف حسك لوجدت دلائل الربوبية وآثار الصنعة فيك قائمة ، وشواهده – جل وتقدس – في خلقك واضحة ، وبراهينه لك لائحة . فقال : يا هذا إن كنت من أهل الكلام كلمناك ، فإن ثبت لك حجة تبعناك ، وإن لم تكن منهم فلا كلام لك ، وإن كنت من أصحاب جعفر بن محمد الصادق فما هكذا يخاطبنا ، ولا بمثل دليلك يجادلنا ، ولقد سمع من كلامنا أكثر مما سمعت ، فما أفحش في خطابنا ولا تعدى في جوابنا ، وإنه للحليم الرزين العاقل الرصين ، لا يعتريه خرق ولا طيش ولا نزق ، ويسمع كلامنا ويصغي إلينا ويستعرف حجتنا حتى استفرغنا ما عندنا وظننا أنا قد قطعناه أدحض حجتنا بكلام يسير وخطاب قصير يلزمنا به الحجة ، ويقطع العذر ، ولا نستطيع لجوابه ردا ، فإن كنت من أصحابه فخاطبنا بمثل خطابه).
الثاني: كان الإمام الصادق حريصا من جانب آخر على لم شمل المسلمين حيث كان يحث على الترابط وإرساء أواصر المودة بين شيعته وبين بقية أهل الإسلام ويحث بتوجيهاته على الوحدة المجتمعية بين مختلف فرق المسلمين في شتى مظاهرها فكان ينهاهم عن الانعزال ويحثهم على التواصل مع الآخرين فيقول: (عودوا مرضاهم ، واشهدوا جنائزهم ، واشهدوا لهم وعليهم ، وصلوا معهم في مساجدهم)، وروى معاوية بن وهب قال (قلت لأبي عبد الله (ع) : كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وفيما بيننا وبين خلطائنا من الناس ؟ قال : فقال : تؤدون الأمانة إليهم وتقيمون الشهادة لهم وعليهم وتعودون مرضاهم وتشهدون جنائزهم)، ويؤكد الإمام الصادق (ع) بقوله: ( قال رسول الله (ص) (من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم).
الثالث: كان (ع) يؤكد على دور التعاون على البر وأثره في بناء الأمة الصالحة وتوحدها وأنه يثمر المحبة والتواصل والتراحم بين أبناء الأمة فقد روي أنه (ع) قال لأصحابه (اتقوا الله وكونوا إخوة بررة ، متحابين في الله ، متواصلين ، متراحمين ، تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا أمرنا وأحيوه)، وعنه (ع) :(تواصلوا وتباروا وتراحموا وكونوا إخوة بررة كما أمركم الله عز وجل). وروى بعض أصحابه قال (سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: تواصلوا وتباروا وتراحموا وتعاطفوا). وعنه (ع) ( يحق على المسلمين الاجتهاد في التواصل والتعاون على التعاطف والمؤاساة لأهل الحاجة وتعاطف بعضهم على بعض حتى تكونوا كما أمركم الله عز وجل ((رحماء بينهم)) متراحمين ، مغتمين لما غاب عنكم من أمرهم على ما مضى عليه معشر الأنصار على عهد رسول الله (ع)).

الرابع: كان (ع) يوجه أصحابه بعدم دعوة المخالفين إلى منهج أهل البيت (ع) بشكل يثير تحسس المخالف وإحداث فتنة فقد روي عنه (ع) أنه قال:( كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم ، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير ، فإن ذلك داعية)، وقال (ع) يوصي بعض أصحابه:(أوصيكم بتقوى الله والعمل بطاعته واجتناب معاصيه وأداء الأمانة لمن ائتمنكم وحسن الصحابة لمن صحبتموه وأن تكونوا لنا دعاة صامتين فقالوا يا بن رسول الله وكيف ندعو إليكم ونحن صموت قال تعملون ما أمرناكم به من العمل بطاعة الله وتتناهون عما نهيناكم منه من ارتكاب محارم الله وتعاملون الناس بالصدق والعدل وتؤدون الأمانة وتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ولا يطلع الناس منكم الا على خير فإذا رأوا ما أنتم عليه قالوا هؤلاء الفلانية رحم الله فلانا ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه وعملوا فضل ما كان عندنا فسارعوا إليه)
هذه بعض مظاهر منهج الإمام الصادق (ع) في دعوته إلى الوحدة الإسلامية.
هذا وليس المقصود من الوحدة جعل المسلمين مذهبا واحدا أو صهر جميع الاجتهادات في الشريعة في بوتقة واحدة، فإن الباب مشرع للاجتهادات والآراء على كافة الأصعدة العلمية المستندة إلى الأدلة الشرعية، وهذا الأمر من شأنه أن ينمي الفكر ويعين على الوصول إلى الحقائق إذ من الخطأ أن يرى المرء فكره واجتهاده هو الصواب ومن ثم يستنتج أن آراء الآخرين في ضلال مبين فإن هذا هو التعصب المذموم وهو من أشد الآفات فتكا في كافة المجتمعات.
بل المقصود من الوحدة هو التعايش السلمي والتآخي والتآلف بين المسلمين مستندين في ذلك إلى نقاط القوة التي يشتركون فيها، فإن هناك عوامل مشتركة بين المسلمين يجب عليهم استغلالها استغلالا جيدا وتقويتها وتنميتها للوصول إلى الهدف المنشود ومن تلك العوامل:
-العقائد المشتركة كالتوحيد والنبوة والمعاد
-العبادات المشتركة كالصلاة والصوم والحج والزكاة
-القرآن وهو الذي يقدسه كل المسلمون ويعتبرونه المصدر الأساسي للتشريع
-القبلة الموحدة حيث يتجه المسلمون بأجمعهم إلى الكعبة المشرفة في مكة المكرمة لتكون قبلة خاصة للمسلمين دون غيرهم من أتباع الديانات السماوية الأخرى فعلى المسلمين أن يستغلوا هذه النقاط المشتركة بينهم وأن يتغلبوا بها على كل دعوة إلى التفرقة والتنافر والتناحر والتشتت بين أبناء الدين الواحد.
أيها الأحبة إن هذا هو منهج الإمام الصادق وسعيه الحثيث في توحيد الأمة وتآلفها دون التخاصم والتنازع الذي نهى القرآن عنه:( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)،(واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) وهو الأمر ذاته الذي دعت إليه المرجعية العليا في النجف الأشرف اليوم منذ بداية تصديها لشؤون الأمة لأنها تعلم بأن الداء في الفرقة والدواء في الوحدة وقد سلكت كل سبيل يصب في هذا الاتجاه اتباعا لهذا المنهج الرباني منهج أئمتنا الأطهار (ع).
نرجو لملتقانا هذا النجاح ولكافة المشاركين والحاضرين التوفيق والتسديد لما فيه خير دينهم ودنياهم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليق