- 24 رجب 1445هـ
ممثل المرجعية العليا في اوربا يعزي العالم الإسلامي بشهادة ووفاة علمين من اعلام اهل البيت (ع): الامام السجين موسى الكاظم (ع) ، وحامي النبي (ص) وناصره وعمه أبي طالب (ع)
جاء حديثه هذا في مركز الخوجا الاثناعشرية- موريشيوس بمناسبة شهادة الامام موسى بن جعفر (ع) ووفاة جده أبي طالب (ع) قائلا:
ان الحديث عن الامام موسى الكاظم (ع) كالحديث عن بقية أئمة اهل البيت (ع) حديث عن نصرة الدين والقيم والمثل العليا، فهم جميعاً قد نذروا انفسهم في سبيل الله لحماية الإسلام ونصرته. لكن الذي يميز حياة هذا الامام عن غيره من ابائه وابنائه انه عاش في سجون هارون الرشيد لسنوات عديدة وفي أماكن متفرقة كالمدينة والبصرة وواسط، وكان آخرها بغداد في عدة مواضع منها حتى اودع في سجن السندي بن شاهك الذي كان لا يميز فيه الليل من النهار.
وقد اثقل هارون الرشيد جسد الامام (ع) بثلاثين رطلا من الحديد مهدداً إياه بأنه إن لم يرضخ له فانه سوف يطارد كل اتباعه في بغداد، فاختار الإمام (ع) تحمل هذه السلاسل حفاظا على حياة شيعته، وقد بقي مقيداً بالحديد حتى شهادته حيث اخرجت جنازته والحديد على بدنه الشريف بعد ان قتلوه بالسم.
وكان الامام (ع) قد ذكّر هارون وهو في السجن بحساب الله وعقابه: (انه لن ينقضي عن يوم من البلاء الا انقضى عنك معه يوم من الرخاء حتى نقضي جميعا الى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون) .
ونحن في هذه المناسبة الحزينة علينا ان نتذكر اسرى المسلمين في سجون الأعداء ظلما وعدوانا وان نعتبر هذا اليوم (يوم الأسير العالمي) لسجناء المسلمين كما وصفه البعض.
ولا يسعنا في هذه العجالة الالمام بحياته (ع)، ومن أراد التوسع في ذلك فعليه ان يرجع الى المصادر التاريخية لدى العامة والخاصة التي تحدثت عن هذا الامام العظيم، وقد كتب بعض اعلامنا كتبا مستقلة عن حياته كالعلامة الشيخ باقر شريف القرشي في كتابه حياة الامام موسى بن جعفر فلم يترك شاردة ولا واردة الا ذكرها، كما الف الحجة الشيخ محمد حسن ال ياسين كتابا لا يستهان به في هذا المجال، وقد وقع نظري أخيرا على كتاب للخطيب البارع الشيخ فوزي ال سيف تحت عنوان (كاظم الغيظ).
اما الحديث عن حامي النبي وناصره وعمه أبي طالب (ع) فالمجال لا يساعدنا على تفصيل الكلام في ذلك خصوصا وانا قد تحدثنا عن حياته الشريفة في السنين السابقة. غير ان المحزن في حياة ابي طالب ان المسلمين والمراكز الإسلامية في اوربا وغيرها لم تخصص له يوما خاصا كما يفعلون لذكريات أئمة اهل البيت (ع) ، في حين ان لهذا الرجل الفذ اعظم الفضل على الاسلام والمسلمين لما قام به من تضحية وفداء في سبيل بناء الاسلام والدعوة اليه ونصرة النبي (ص)، ومن ذلك انه كان رضوان الله عليه يفدي رسول الله (ص) بأبنائه حفاظا على حياته. وقد سرت هذه التضحية والنجدة في أحفاده الطاهرين كما نلاحظه في مساهمتهم الجليلة في واقعة كربلاء وما ابلوه فيها من بلاء حسن.
ومن هنا كان النبي (ص) واهل البيت (ع) يعظمون جهاده ومواقفه النابعة من اعتقاده بالاسلام وبنبوة النبي (ص)، ولهذا اجمعت رواياتهم على ايمانه، وان نوره يطغى يوم القيامة على كل نور ما عدا نور النبي المصطفى (ص) وعلي المرتضى (ع) وفاطمة الزهراء (ع) والائمة الاطهار (ع).
وشخصيا لم اجد خلال متابعتي من اُلّف في شأنه من عظماء اهل البيت (ع) كما اُلّف عن ابي طالب (ع)، فهناك اكثر من 37 مؤلفا كتب عنه، الى جانب البحوث المستفيضة في عشرات الكتب والمبثوثة في ثنايا الموسوعات الخاصة والعامة، وقد نقل العلامة الشيخ الاميني في الغدير عن جماعة من اهل السنة انهم ذهبوا الى ما ذهبنا اليه من ايمانه، وكتبوا الكتب والبحوث في اثبات ذلك، كالبرزنجي في اسنى المطالب والأجهوري والاسكافي وابي قاسم البلخي وابن وحشي في شرحه لكتاب (شهاب الاخيار) والتلمساني في (حاشية الشفاء) والشعراني وسبط بن الجوزي والقرطبي والسبكي وابي طاهر السيوطي وغيرهم، بل حكم عدد منهم كأبن وحشي والأجهوري والتلمساني بأن من ابغض ابا طالب فقد كفر او ان من يذكره بمكروه فقد كفر. ولكن لقلة اطلاع البعض او جهلهم او تعصبهم ضد ابنه الامام علي (ع) او عداوتهم لاهل البيت (ع) قالوا بأن ابا طالب مات مشركا مستندين الى ادعاءات باطلة، معرضين عن البراهين الجلية التي تشهد بايمانه فضلا عن اسلامه انتصارا لأعدائه من الامويين والعباسيين.
والجدير بالذكر ونحن في مقام الحديث عنه ، ان لابي طالب ديواناً من الشعر في الاسلام وفي رسول الله (ص) يربو على ثلاثة الاف بيت، وهو مما حُفظ له وجُمع حتى وقف عنده الادباء والمؤرخون معجبين ومتعجبين: انه كيف يقال هذا الشعر في تلك الظروف على مسمع من قريش والمشركين واليهود، حيث ان في اشعاره التأييد الواضح والنصرة والمجاهدة المتحدية والايمان الصادع والموقف الصادق والثابت !
ولهذا كان الائمة (ع) يوصون اتباعهم بتحفيظ ابنائهم شعر ابي طالب لما فيه من تقوية عقيدتهم وايمانهم بالله. وكان الامام علي (ع) يعجبه ان يروى شعر ابي طالب وان يدوّن، وكان يقول: حفظوا وعلموا اولادكم شعر ابي طالب فانه كان على دين الله وفيه علم كثير. وبمثل هذا كان الامام السجاد (ع) يوصي اصحابه، بل وكان رسول الله (ص) يفرح عندما يستمع لشعره، ومن ذلك ما ذكره المؤرخون حينما استسقى النبي (ص) لاهل المدينة فجاءهم الغيث، فذكر (ص) ابا طالب وقال: لله در ابي طالب لو كان حيا لقرت عينه، من ينشدنا قوله؟ فانشده الامام علي (ع) من قصيدته ابياتا منها
وأبيض يستسقى الغـمام بوجهـه ثـمال اليتـامى عصـمـة لـلأرامـل
يلـوذ به الهـلاك من آل هـاشـم فـهـم عـنـده في نـعـمـة وفواضل
كـذبتم وبيت الله يـردى محمـد ولمـا نـقـاتـل دونـــه ونـنـاضـل
ونسلمه حتى نـصـرع حـولــه ونـذهــل عـن أبـنـائـنا والحلائل
وبمناسبة وفاته نشير الى شيء مما ذكره الشبلنجي الشافعي في كتابه نور الابصار في حديث مفصل، وموضع الشاهد منه ان الامام علي عندما اخبر رسول الله (ص) بموت ابيه بكى، فقال النبي (ص) امض يا علي فتول امره وتول غسله وتحنيطه وتكفينه فإذا رفعته على سريرته فأعلمني، ففعل ذلك أمير المؤمنين (ع) فلما رفعه على السرير اعترضه النبي (ص) فرقّ وحزن وقال (ص) مخاطبا عمه: وصلت رحما وجزيت خيرا يا عم فلقد ربيت وكفلت صغيرا، ونصرت وآزرت كبيرا، ثم أقبل على الناس وقال: أما والله لأشفعن لعمي شفاعة يعجب به أهل الثقلين.
فنسأل المولى سبحانه ان يوفق المسلمين لأحياء هذه المناسبات الدينية التي في احيائها تحيى القلوب وبها تعظم الشعائر ((ذلك ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب))
فسلام الله على العظيمين الكريمين ما طلعت الشمس وغربت.