- 22 شعبان 1445هـ
العلامة السيد مرتضى الكشميري يهنئ المسلمين بقرب حلول شهر رمضان المبارك ويؤكد على الاستفادة من اجوائه الروحية والايمانية للقرب من الله سبحانه وتعالى ويقول:
ان من اهم المؤسسات الرائدة التي انشأتها المرجعية العليا في النجف الاشرف مؤسسة العين للرعاية الاجتماعية التي شملت المحتاجين من الفقراء والارامل والايتام والمتعففين في مختلف محافظات العراق وافغانستان وافريقيا وغيرها حتى بلغ عددهم عشرات الالاف والتي تكلف مساعدتهم مبالغ طائلة
جاء تفاصيل هذا الموضوع في الملتقى الخيري الذي عقد في تورنتو بحضور الجاليات الاسلامية من مختلف القوميات واليكم نص الحديث الذي القاه في هذه المناسبة:
بسم الله الرحمن الرحيم
اهتمت الشريعة الإسلامية المقدسة بتنظيم المجتمع، كما اهتمت بالعبادات ، والعقائد. وهذا من خصائص ختمها للشرائع والأديان.
وفي هذا السبيل فقد لاحظ المشرع الإسلامي أن المجتمع ـ أي مجتمع ـ يتكون من طبقات وفئات متفاوتة من الثراء والقوة والفقر والضعف.
فأوجب على أثر ذلك أن تتكافل فئات المجتمع بحيث يعود غنيهم على فقيرهم وقويهم على ضعيفهم، تحقيقا لانسانية المعطي حيث لا تتكامل انسانيته إلا بالإحسان إلى بني نوعه، ومنعا للتوترات والأحقاد التي قد تنشأ على أثر التفاوت الفاحش في النعمة. مما يهدد التجانس الاجتماعي والسلم الأهلي. لا سيما إذا حصل من يستغل هذه التوترات.
ومن جملة اهتمامات الشريعة الإسلامية بل من أوائلها في هذا الصعيد، الاهتمام برعاية اليتامى، وكفالتهم حتى يتمكنوا من الاستقلال والاعتماد على أنفسهم في حياتهم. والاهتمام بإدارة أموالهم ـ إن كانت ـ بواسطة الأولياء الخبراء والعدول.
فقد فرض الله لهم سهمًا واجبًا في الصدقات الواجبة والزكوات، وجعل الصرف عليهم جزءا منها ومن الكفارات ، وفي خصوص الهاشميين فقد فرض لهم سهما في الخمس والأنفال.
وبالإضافة إلى العطاء الواجب المذكور آنفا فقد حرض المؤمنين وشجعهم على الإحسان إلى اليتامى، ولو لم يكن الأمر واجبا عليهم ، فقد وصف الله الإيمان والبر وجعل إنفاق المال ـ مع حب المال والتعلق به ـ في مرتبة بعد مرتبة العقائد ( بالله والكتاب واليوم الآخر والأنبياء) فقال ( وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ..).
وأما توجيهات رسول الله صلى الله عليه وآله، في التوصية باليتيم فقد أوفى على الغاية، وبلغ فيها النهاية ، فعنه صلى الله عليه واله ( مَن عالَ يَتيماً حتّى يَستَغنِيَ عنهُ أوجَبَ اللَّهُ عَزَّوجلَّ لَهُ بذلكَ الجَنَّةَ كما أوجَبَ اللَّهُ لآكِلِ مالِ اليَتيمِ النّارَ) وعنه قوله ( أنا وكافِلُ اليَتيمِ في الجَنَّةِ هكذا – وأشارَ بِالسَّبّابَةِ والوُسطى وفَرَجَ بَينَهُما ) وعنه ( إنّ في الجَنَّةِ داراً يُقالُ لَها : دارُ الفَرَحِ ، لا يَدخُلُها إلّا مَن فَرَّحَ يَتامَى المُؤمنينَ).
واعتبر الاهتمام باليتيم والإحسان إليه علاجا يشفي من قسوة القلب ، فقد قال صلى الله عليه وآله ( لِرجُلٍ يَشكو قَسوَةَ قَلبِهِ : أتُحِبُّ أن يَلينَ قَلبُكَ ، وتُدرِكَ حاجَتَكَ ؟ : ارحَمِ اليَتيمَ وامسَحْ رأسَهُ ، وأطعِمْهُ مِن طَعامِكَ ، يَلِنْ قَلبُكَ وتُدرِكْ حاجَتَكَ).
ويشير خبراء الاجتماع إلى الآثار الطيبة التي تحصل من رعاية المجتمع للأيتام، فمن آثار ذلك ما يحصل في المجتمع من شعور بالتكافل ، فلا يخشى الآباء من ضيعة أولادهم من بعدهم وإن كانوا صغارا. الشعور بأن المجتمع متكافل ومتضامن ومهتم في رعاية الأيتام يجعل الآباء مطمئنين على أحوال وأوضاع أبنائهم الصغار.
ومن الآثار الطيبة في هذا المجال، شعور اليتيم بالحماية والقوة أمام مصاعب الحياة، وتقلبات الدهر، وهذا يجعله إيجابيا في حياته فلا يعيش الألم الدائم والشعور بفقد المحامي والسند، فها هو يرى المجتمع كله ، أو مؤسسات الرعاية ترعاه كرعاية أبيه وربما بشكل أفضل في بعض الحالات.
إن اليتيم في هذه الحالة سينتج عنه أعمال حسنة وخيرة لهذا المجتمع الذي حماه وأعطاه ورباه، ولذلك رأينا عيانا كيف أن من كانوا تحت مؤسسات رعاية الأيتام هم أسبق من غيرهم لتكفل اليتامى ، والإحسان إليهم ، حيث عاشوا هذه المرحلة .
برعاية الأيتام نحن ننتج ( مُحسِنا ) في المستقبل ، و( مُعطيا ) لغيره في القادم .
رعاية الأيتام بين العمل الفردي والمؤسساتي :
في عالم اليوم أصبح العمل المؤسساتي في كل المجالات هو الطريقة الأكثر تقدما وإنتاجية، وتوصل البشر إلى هذا الأمر بعد خوض مئات الآلاف من التجارب، وينطبق هذا على إدارة رعاية الأيتام كما ينطبق على سائر المجالات.
وضمن هذه الفكرة فقد كان تأسيس / مؤسسة العين للرعاية الاجتماعية قسم رعاية الايتام وكفالتهم خطوة رائدة ورائعة بكل المقاييس، وقد حظيت بدعم مرجعية الطائفة العليا، وجعل في إدارتها متخصصون ثقات وعلماء أثبات، لتجنب المزالق التي قد تحصل في بعض المؤسسات، والناظر إلى التقرير الصادر عن المؤسسة يُكبر في القائمين عليها همتهم التي تكشف عنها ضخامة الأعداد، وتنوع الأنشطة ومجالات الرعاية من تعليمية وتربوية إلى طبية واجتماعية وغيرها.
فقد بلغ عدد اليتامى المحتضنين لدى المؤسسة منذ 2006 وإلى الآن 175,723 يتيماً (مائة وخمسة وسبعين ألف وسبعمائة وثلاثة وعشرين يتيماً)، بعضهم ما زالوا يتمتعون بحضانة المؤسسة إلى الآن وهم 98,858 يتيماً (ثمانية وتسعين ألفاً وثمانمائة وثمانية وخمسين يتيماً)، وقد وفرت لهم مختلف الخدمات، فبلغ عدد المنازل التي قامت ببنائها أو ترميمها للعوائل المحتضنة ما يقارب 410 منزلاً، وأما المنازل التي في ضمن مجمعاتها السكنية فهي 407 منزلاً.
هذا داخل العراق، وأما خارجه فقد بلغ عدد اليتامى المحتضنين في اليمن وأفغانستان وغانا ــ رغم التحديات الشديدة هناك ــ: 4,763 يتيماً (أربعة آلاف وسبعمائة وثلاثة وستين يتيماً)، تقدم لهم مجموعة من الخدمات.
وقد تبنت المؤسسة 209 مشروعاً من مشاريع الصدقة الجارية، تتوزع في مختلف أنحاء العراق أغلبها قد تم هبته من المؤمنين أو تم وقفه على يتامى المؤسسة.
وللمؤسسة مضافاً إلى مكاتبها المنتشرة في مختلف أنحاء العالم بدءاً من كندا وانتهاءً باستراليا مروراً بالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا وهولندا والسويد والدنمارك والنروج وبلجيكا وسويسرا، لديا تسجيل في الأمم المتحدة في غير واحدة من منظماتها الأممية.
ومنذ هذا العام بدأ مركز التأمين التابع لمؤسسة العين للرعاية الاجتماعية يقدم خدماته إلى المؤمنين المتعففين من غير اليتامى، فقد قطعت المؤسسة شوطاً طويلاً مع الرعاية الصحية لليتامى حتى بلغت عدد اليتامى التي قدمت لهم الرعاية الصحية 118,352 (مائة وثمانية عشر ألف وثلاثمائة واثنين وخمسين يتيماً) فانتقلت الآن لتشمل برعايتها الصحية يتامى المؤمنين المتعففين الذين ابتلوا بالأمراض الخبيثة، وهذا مشروع كبير قد خططت المؤسسة لتوسعته مع اتساع الدعم لهذا المركز.
ولكي تستمر هذه المؤسسة بفاعلية أكبر وعطاء أفضل فينبغي للمؤمنين الاحتشاد في دعم هذه المؤسسة معنويا وماديا.
أما الدعم المعنوي فبتشجيع القائمين عليها والثناء على مجهوداتهم فيها ، وأيضا بالحديث الإيجابي عنها كتجربة متقدمة ومؤسسة نافعة ، ونشر هذا المعنى في وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها.
والدعم المعنوي واضح وسبيله معروف ، والمؤسسة وإن كانت مجازة في صرف الحقوق الشرعية من المرجعية العليا ، إلا أن الأفضل في ذلك هو أن يعطي الانسان من خالص ماله ، حيث لم يجب فيه حق شرعي ( فإن الخمس حق شرعي متعلق بذمته ) ولا ريب أن الإعطاء من مال لم يتقرر فيه حق شرعي هو أفضل من المال الذي تقرر فيه الحق الشرعي، ولعل ما جاء في القرآن الكريم من المدح والثناء لمن آتى اليتامى المال وأنفق عليهم هو ناظر الى العطاء المستحب لا الواجب.
ومن المناسب جدا أن يتوجه المؤمنون في هذا إلى الوقف والثلث ، فيقوموا بوقف بعض ما يملكون مثلا لرعاية الأيتام ودعمهم ، فإنه من أفضل عناوين الصدقة الجارية التي يبقى عمل الإنسان بها ويستمر أمله بثواب الله من خلالها. فلو أوقف إنسان بيتا أو بناية أو أرضا أو غير ذلك ، في أثناء حياته لمثل هذا المشروع الخير لكان من مصاديق ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث .. وصدقة جارية ).
وإذا كان المؤمن لسبب أو آخر لا يتمكن من وقف شيء في حياته وكان متمكنا فليوص في الثلث بعد وفاته أن يكون في هذا الطريق الخير. فإن للإنسان أن يتصرف في أمواله بمقدار الثلث بعد مماته وذلك بالوصية بالثلث مما يملك.
نسأل الله سبحانه أن يؤيد هذه المؤسسة والعاملين فيها وأن يقرن أعمالهم فيها بالتوفيق والتقدم ، إنه على كل شيء قدير.