3 شعبان 1439هـ
استعرض ممثل المرجعية العليا في اوربا في خطبة الجمعة بمدينة هال فضل شهر شعبان وانه شهر رسول الله (ص) وشهر التحلي بالفضائل والقيم الاخلاقية وتطهير النفوس من الذنوب والاثام والسعي للتزود باعمال الخير من الصلاة والزكاة واصلاح النفس والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وبر الوالدين وصلة الارحام والجيران واصلاح ذات البين والصدقة على الفقراء والمساكين خصوصا الايتام والارامل منهم.
واشار الى حديث امير المؤمنين (ع) في فضل هذا الشهر بقوله (لو وقفتم على ما قد أعد ربنا عز وجل للمطيعين من عباده في هذا اليوم، لقصرتم عما أنتم فيه، وشرعتم فيما أمرتم به).
وعن اعمال هذا الشهر احال الى الكتب المعتبرة لمعرفة ما له من الفضل وخصوصا ما ورد عن امير المؤمنين (ع) في هذا المجال. كما تعرض سماحته الى مقام اهل البيت (ع) وفضلهم ومنزلتهم عند الله وما قاموا به من تضحيات في سبيل رفع لواء الاسلام وبقائه، وهذه السيرة تحتم علينا ما يوجب الاقتداء بهم ودراسة حياتهم والوقوف على مفرداتها لتكون لنا منهجا وبرنامجا حياتيا للدنيا والاخرة لان الانتماء اليهم بالقول دون العمل لا فائدة منه، فالقراءة الواعية لسيرتهم تدعو الى طرح المذهب الحق بالحجة والبرهان، لان التشيع ليس بأظهار الولاء والمحبة والحزن في الافراح والاتراح واكثار زيارة مراقد الائمة (ع) واقامة العزاء عليهم، بل قوة الولاء لاهل البيت (ع) تمثل الوعاء العلمي والكامل لمفاهيم القران والسنة النبوية الشريفة.
والى هذا اشار الامام الباقر (ع) بقوله الى جابر (أيكتفي من ينتحل التشيّع أن يقول بحبنا أهل البيت ؟!.. فو الله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه ، وما كانوا يُعرفون يا جابر إلا بالتواضع والتخشع و الأمانة ، وكثرة ذكر الله ، والصوم ، والصلاة ، والبرّ بالوالدين ، والتعهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة ، والغارمين ، والأيتام ، وصدق الحديث ، وتلاوة القرآن ، وكفّ الألسن عن الناس ، إلا من خير ، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء).
وقوله (ع) (يا جابر!.. فوالله ما يُتقرّب إلى الله تبارك وتعالى إلا بالطاعة ، وما معنا براءة من النار ، ولا على الله لأحد من حجة ، من كان لله مطيعاً فهو لنا وليُّ ، ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدوّ ، ولا تنال ولايتنا إلاّ بالعمل والورع).
و قوله (ع) (ليس بين الله و بين أحد قرابة) أي ليس بين الله وبين الشيعة قرابة حتى يسامحهم ولا يسامح مخالفيهم ، مع كونهم مشتركين معهم في مخالفته تعالى ، أو ليس بينه و بين علي (ع) قرابة حتى يسامح شيعة علي (ع) ولا يسامح شيعة الرسول (ص). لان الملاك في جهة القرب بين العبد وبين الله انما هي الطاعة والتقوى، ولذا صار ائمتنا احب الخلق الى الله.
وقوله (ع) (يا معشر الشيعة ، شيعة آل محمد !..كونوا النمرقة الوسطى : يرجع إليكم الغالي ، ويلحق بكم التالي ، فقال له رجل من الأنصار يقال له سعد : جعلت فداك ما الغالي ؟.. قال : قوم يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا ، فليس أولئك منّا ولسنا منهم ، قال : فما التالي؟..قال : المرتاد يريد الخير يبلغه الخير يؤجر عليه ، ثم أقبل علينا فقال : والله ما معنا من الله براءة ، ولا بيننا وبين الله قرابة ، ولا لنا على الله حجة ، ولا يتُقرب إلى الله إلا بالطاعة ، فمن كان منكم مطيعاً لله تنفعه ولايتنا ، ومن كان منكم عاصياً لله لم تنفعه ولايتنا ، ويحكم لا تغترّوا !.. ويحكم لا تغتروا).
وعن أبي عبد الله (ع) قال (إنا لا نعد الرجل مؤمنا حتى يكون لجميع أمرنا متبعا ومريدا ألا وإن من اتباع أمرنا وإرادته الورع، فتزينوا به يرحمكم الله وكيدوا أعداءنا به ينعشكم الله).
وقال الامام علي (ع) ( امتحنوا شيعتنا عند ثلاث: عند مواقيت الصلاة، كيف محافظتهم عليها؟ وعند أسرارهم، كيف حفظهم لها من عدونا؟ وعند أموالهم، كيف مواساتهم لإخوانهم فيها؟ ).
وقال الباقر (ع) (يا أبا المقدام !.. إنّما شيعة عليّ (ع) الشاحبون الناحلون الذابلون ، ذابلة شفاههم ، خميصة بطونهم ، متغيّرة ألوانهم ، مصفرّة وجوههم ، إذا جنّهم الليل اتّخذوا الأرض فراشاً ، واستقبلوا الأرض بجباههم ، كثيرٌ سجودهم ، كثيرةٌ دموعهم ، كثيرٌ دعاؤهم ، كثيرٌ بكاؤهم ، يفرح الناس وهم محزونون).
هذه بعض اوصاف اتباع ائمة اهل البيت (ع) التي يجب ان ينتحلى بها ونوصي الاخرين على العمل بها، فعن الامام الرضا (ع) (رحم الله عبد أحيا أمرنا، فقال الهروي: وكيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لأتبعونا).
كما اكد سماحته على ما تؤكد عليه المرجعية العليا بالتعايش السلمي مع مكونات المجتمع الاخرى فأن البعض يرى بأن التشيع الصادق هو بطرح معتقدات مذهب أهل البيت (ع) مع الانتقاص من غيرهم والطعن بهم او التقاطع والتنابذ والتدابر والهجران لمخالفيهم بزعم انه من موجبات الحفاظ على هوية التشييع وصيانة اتباع الائمة (ع) من التأثر بالآخرين. بينما نجد ان القراءة الصحيحة والواعية بسيرتهم (ع) وما وجهوا به شيعتهم تدعوهم الى طرح المذهب الحق بالحجة والبراهان مع رعاية التعايش السلمي مع الاخرين المبني على مخالطتهم ومعاشرتهم بالحسنى ومشاركتهم في مناسباتهم وكف اللسان عن التفوه بما يسيء اليهم ويخل بالسلم الاهلي ويضر بوحدة الصف امام الاعداء والطامعين بالبلاد وخيراتها، وقد روي عن الامام الصادق (ع) (عليكم بتقوى الله وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الصحبة لمن صحبكم وإفشاء السلام وإطعام الطعام، صلّوا في مساجدهم وعودوا مرضاهم واتبعوا جنائزهم فإن أبي حدثني ان شيعتنا اهل البيت كانوا خيار من كانوا منهم، ان كان فقيه كان منهم وإن كان مؤذّن كان منهم، وإن كان إمام كان منهم، وإن كان صاحب أمانة كان منهم، وإن كان صاحب وديعة كان منهم، وكذلك كونوا، حبّبونا الى الناس ولا تبغضّونا إليهم).
هذا واخير بيّن للحاضرين مقام شهر رمضان الذي نحن على ابوابه وان نتهيأ لاستقباله (شهر دعيتم فيه الى طاعة الله وجعلتم فيه من اهل طاعته انفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة وعملكم فيه مقبول فاسالوا الله بنيات صادقة وقلوب طاهرة ان يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه فان الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم) .
نسأل المولى سبحانه وتعالى ان يوفقنا لصيامه وقيامه انه ولي التوفيق.