8 ذي القعدة 1440هـ
صلى سماحة السيد مرتضى الكشميري ممثل المرجعية العليا في اوربا صلاة الجمعة في سكينة تراست جنوب العاصمة البريطانية
وهذا نص الخطبة.
تطل علينا ذكرى ولادة ثامن ائمة المسلمين، الامام علي بن موسى الرضا (ع) سليل اولئك الذين اذهب الله عنهم الرجس اهل البيت وطهرهم تطهيرا، والذين لم تنجسهم الجاهلية بانجاسها ولم تلبسهم من مدلهمات ثيابها، وحفيد من باهل بهم رسول الله (ص) نصارى نجران، وهو فرع شجرة النبوة ومعدن العلم واهل بيت الوحي، وهو ابن ذلك الامام العظيم الذي اجمعت الامة على تفضيله وتقديسه ومنحته لقب (العبد الصالح) وسمته كاظم الغيظ اعترافا بخصائصه الفذة ومكانته الفريدة في الورع والدين والسلوك.
ان المقام يضيق بنا عن بيان ما لعالم ال محمد (الرضا) من الفضل والكمال الذي امتاز بهما على اهل زمانه حتى شهد له بذلك القاصي والداني، ولن يستطيع اهل الدنيا ان يصلوا الى عشر معشار هذا الشرف الاصيل والمجد الاثيل والقمر الزاهر والنور الباهر.
والجدير بالمسلمين جميعا وخصوصا جيل الشباب المثقف منهم ان يطّلعوا على هذه السيرة العطرة والتاريخ النير لهذه الكوكبة الطاهرة في زمن تبذل فيه المحاولات الجادة لطمس هذا التاريخ الناصع والقاء الستار الكثيف عليه كونهم القدوة بعد رسول الله (ص) في سلوكهم وسيرتهم والمثل الاعلى االذي يحتذى به، ولكن وبحمد الله رغم كل هذه المحاولات المتواصلة نجد هذا النور الوهاج والتاريخ الوضاء يشق عنان السماء لهداية البشرية وتربيتها على نهج القران وسيرة النبي والعترة الطاهرة صلوات الله عليهم اجمعين.
وعلى اولئك المعجبين بحضارة الغرب ان يمعنوا النظر في العلوم المتنوعة التي تحدث عنها الائمة (ع) وحثوا على معرفتها والاستفادة منها لقول الامام الصادق (ع) (رحم الله عبدا حببنا إلى الناس، ولم يبغضنا إليهم. أما والله لو يروون محاسن كلامنا لكانوا به أعز، وما استطاع أحد أن يتعلق عليهم بشيء ولكن أحدهم يسمع الكلمة فيحط إليها عشرا) وقول الامام الرضا (ع) (رحم الله عبدا أحيا أمرنا، فقلت له: كيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فإنّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا).
وقد باشر الائمة (ع) بنفسهم نشر هذه العلوم وعبر تلامذتهم الذين بلغوا في عصرالامام الرضا (ع) 4000 عالم، الذي كان يجلس (ع) في مسجد جده النبي (ص) فيجتمع حوله العلماء والفقهاء يسألونه عما يشكل عليهم وهو يجيبهم ويحل لهم مشاكلهم ومعضلاتهم العلمية ، وروي بن شهر اشوب في المناقب بسنده عن سليمان الجعفري انه قال دخلت على علي بن موسى الرضا (ع) ذات يوم داره فرأيت جمعا كبيرا من الناس حوله يسالونه وهو يرد عليهم فقلت في نفسي ينبغي ان يكون هذا نبيا ، فالتفت اليّ الرضا (ع) وقال يا سليمان ان الائمة علماء يحسبهم الجاهل انبياء وليسوا بانبياء.
وروى الصدوق رحمه الله عن ابراهيم بن العباس انه قال ما رايت ولا سمعت باحد افضل من ابي الحسن الرضا (ع) ما رأيته جفا احدا بكلامه ولا قطع على احد كلامه ولا رد احدا عن حاجة يقدر عليها، ولا شتم احدا من مماليكه ومواليه وما سئل عن شيء الا علمه واجاب عنه، وكان المأمون العباسي يمتحنه بالسؤال عن كل شيء فيجيبه وكانت اجوبته انتزاعات من القران الكريم وكان (ع) كثير التلاوة له ويختمه في كل ثلاث ليالي مرة.
الى جانب هذا فقد كانت مدرسته (ع) مشرعة ابوابها لمن يسأل ويتعلم، وكان (ع) لا يتحرج من الاجابة عن كل مسألة سواء وافق السائل في الرأي او خالفه، وعن الشبهات التي كان يثيرها البعض عن القران والاشكالات عن الاحاديث الواردة عن النبي والعترة الطاهرة (ع)، ولما راى المأمون العباسي غزارة علم الامام (ع) وتفوقه في كل العلوم طلب منه ان يكتب له شرحا مفصلا لعدة مواضيع منها (التوحيد) و(الاسلام) و(الطب)، فكتب (ع) له رسائل لخص فيها معنى التوحيد واحكام الاسلام واصول القواعد الصحية وغيرها وتعرف الاخيرة بـ(الرسالة الذهبية) التي ذكرها وشرحها اكثر من عشرين عالما ومحققا وذلك لاهميتها العلمية والتاريخية، ومن يطلع على هذه الرسالة يعلم بان الامام الرضا (ع) كان من اكابر العارفين بعلم الطب والمطلعين على جميع فروعه وجزئيات بدن الانسان وما فيه من الاجهزة والخلايا العجيبة وبدايع تركيب اعضائه التي تجلت فيها حكمة الخالق العظيم وروعة قدرته، فلهذا طلب المامون من الامام ان يفتح له بابا من العلم فيما يتعلق ببدن الانسان ويرشدة الى النافع والضارة وما يصلح جسم الانسان وما يضره، فاجابه الامام (ع) (عندي من ذلك ما جربته، وعرفت صحته، بالاختبار ومرور الايام، مع ما وقفني عليه من مضى من السلف مما لا يسع الانسان جهله، ولا يعذر في تركه. وانا أجمع لك مع ما يقاربه مما يحتاج الى معرفته).
ان الامام (ع) من خزنة الحكمة ومن ورثة الانبياء وعنده علم ما يحتاج اليه الناس من امر دينهم ودنياهم، فاستجاب الى طلب المامون وزوده برسالة المعروفة بالرسالة الذهبية.
فسلام الله عليك يا ابا الحسن يوم ولدت ويوم عشت ويوم رحلت ويوم تبعث حيا
اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضا الْمُرْتَضَى الاِمامِ التَّقِيِّ النَّقِيِّ وَحُجَّتِكَ عَلى مَنْ فَوْقَ الاَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الثَّرى، الصِّدّيقِ الشَّهيدِ، صَلاةً كَثيرَةً تامَّةً زاكِيَةً مُتَواصِلَةً مُتَواتِرَةً مُتَرادِفَةً، كَاَفْضَلِ ما صَلَّيْتَ عَلى اَحَد مِنْ اَوْلِيائِكَ.