ممثل المرجعية العليا في اوربا يهنيئ العالم الاسلامي بالبعثة النبوية الشريفة

0
11336
26 رجب 1441هـ

قدم سماحة السيد مرتضى الكشميري ممثل المرجعية العليا في أوروبا التهنئة للعالم الاسلامي بمناسبة البعثة النبوية الشريفة في كلمة وجهها لهم هذا نصها.

بسم الله الرحمن الرحيم

ان من اهم الاحداث في تاريخ الرسالة الاسلامية التحول الذي اوجدته البعثة النبوية الشريفة للبشرية من حالة الى اخرى، اي أخرجتهم من الظلمات الى النور ومن الجهل الى العلم ومن عبادة الأوثان الى عبادة الرحمن كما وصفهم أمير المؤمنين (ع) بقوله: (ان الله بعث محمدا (ص) نذيرا للعالمين، وأمينا على التنزيل. وأنتم معشر العرب على شر دين وفي شر دار. منيخون بين حجارة خشن وحيات صم، تشربون الكدر وتأكلون الجشب، وتسفكون دماءكم وتقطعون أرحامكم. الأصنام فيكم منصوبة والآثام بكم معصوبة) وبمثل هذا وصفتهم الزهراء (ع) في خطبتها (وكنتم على شفا حفرة من النار، مِذْقَة الشارب ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون القدّ، أذلة خاسئين صاغرين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد (ص) بعد اللّتيا والتي). وعلينا في هذه المناسبة ان نشكر الله على هذه النعمة الإلهية: نعمة بعثة الأنبياء لبني للبشرية عموما وبعثة النبي (ص) لنا وللعالمين ، لأن الإنسان لا يستغني عن الهدي الإلهي في طريقه وسعيه نحو التكامل والسعادة، اذ يحتاج الى هداية الله وتوجيهه سبحانه وتعالى حتى يسير في طريق الكمال ويحقق السعادة لنفسه، وان منح الله عز وجل الإنسان نعمة العقل الرسول الباطني حتى يستطيع عن طريقها تحقيق الكمال والوصول الى السعادة، الا ان عقل الانسان يبقى محدودا ضمن محيط مدركاته وما يمتلك من المعرفة والعلم، فوجود الانبياء وبعثهم ضروري من اجل كمال الإنسان وسعادته، ولهذا بعث الله من الرسل مائة وأربع وعشرين ألف نبي حسب الروايات، كل هذا العدد الضخم من الأنبياء إنما جاء لهداية الإنسان وإسعاده، وقد شاء الله ان يختم النبوة بمن هو الافضل والاكفأ والأقرب إليه وهو نبينا محمد (ص) لكي تكون رسالته وشريعته خاتمة الرسالات والشرائع، نظرا لاستيعابها لغة الزمن وتقدم البشرية, وهذا ما أثبته الواقع وأيدته الحقيقة بان رسالة الاسلام بقيت غضة ومواكبة لحضارة الإنسان في كل زمان متى ما فُهٍمت على النحو الصحيح.

ولكن من المؤسف بأن كثير من المسلمين اليوم لا يعرفون عن سيرة الرسول ورسالته التي تشدهم إلى السماء وإلى الأرض وخيراتها في آن واحد إلا ما ألصق بها من القشور والخوارق والأساطير وهم إذ يعظمونها ويصلون  عليه ويسلمون، يفعلون ذلك من تقليد موروث بكلمات تدور على ألسنتهم في كل يوم مئات المرات ويحسبون أنهم عظمّوه وقدسّوه إذا صلوا وسلموا عليه حتى ولو انحرفوا مع أطماعهم وشهواتهم عن تعاليمه و سيرته ورسالته التي تحدد الإسلام بالعمل لا بالقول وحده، وبالواقع لا بالشعارات الجوفاء، و بالتعاون مع الآخرين والعمل المخلص لخير الناس لا بالاستئثار واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان. لقد اتخذوا من سيرة الرسول الخاتم محمد (ص) قصة يتلونها يوم ميلاده ومبعثه ووفاته صاغوها بكلمات ونعوت جوفاء تمتلئ بها حناجر أولئك الذين يتاجرون بميلاده ومبعثه ومعراجه لا تمت إلى الدين بصلة من الصلات، وانصرفوا عن واقعها وجوهرها وما فيها من دروس وعظات كما انصرفوا عن أوامر القرآن ونواهيه ومضامينه وما فيه من دعوة للجهاد والكفاح والتضحيات في سبيل الحق والتمسك بمكارم الأخلاق .

فقد انصرفوا عن كل ذلك او أكثره إلى التغني به (القرآن المجيد)  في الإذاعات من شرق الأرض وغربها. وإليهم أشار الحديث النبوي (سيأتي زمان على أمتي لا يبقى من القرآن إلا رسمه، ولا من الإسلام إلا اسمه، يسمون به وهم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة، وهي خراب من الهدى، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء، منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود.

حتى اصبح الاسلام بمبادئه وجوهره غريبا عن الاذهان والنفوس والقلوب كما كان في ايامه الاولى، والمتمسكون باصوله ومبادئه يدعون اليه باخلاص وتجرد الغرباء في هذا العصر الذي طغت فيه المادة واتجه فيه اعداء الاسلام على طمس حقائقه وتزيف جوهره باسلوب جديد لم تعرفه الحروب من قبل.وصدق رسول الله (ص) حيث قال (إن الاسلام بدا غريبا وسيعود غريبا كما بدا، فطوبى للغرباء) .

ان الحديث عن واقع المسلمين في عصرنا مؤلم ومفزع ولا سبيل لخروجهم مما احيط بهم من وباء عاصف شمل الكرة الارضية في هذا اليوم نتيجة تفسخ الاخلاق وتنكر القيم وظلمهم للاخرين واعتدائهم على المستضعفين وبعدهم عن الله، الا بالرجوع الى الله والعمل بكتابه. وقد قضت مشيئة الله بـ (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم).

فالمسلمون اليوم يعيشون حالة البعد عن روح الرسالة وجوهرها، وبدل ان يعيشوا الوحدة والالفة والاخوة، يعيشون الفرقة والاختلاف فيما بينهم، وبدل ان يعيشوا القوة في التمسك بمبادئ الدين وقيمه، اصبحوا يعيشون الضعف والوهن في سجودهم وركوعهم على ابواب الاعداء يستجدون منهم العون والدعم، بالرغم مما عندهم من ترسانات من الاسلحة والذهب الاسود وما وهبه الله لهم من الخير الكثير والنعمة العظيمة، وبدل ان تسود فيما بينهم الرحمة والعزة، اصبحوا يعيشون الشدة والغلظة على بعضهم البعض، عكس ما كان عليه رسول الله (ص) واصحابه ((مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)).

نسأل من المولى سبحانه وتعالى ان يبصرنا الطريق وان يرزقنا الاستقامة والهداية, هداية اللذين انعم الله عليهم لا المغضوب عليهم انه ولي التوفيق وان يدفع هذا البلاء والوباء عن الجميع انه سميع مجيب

اترك تعليق