- 1 ذو القعدة 1445هـ
ممثل المرجعية العليا في اوربا يعزي العالم الاسلامي بشهادة سادس أئمة المسلمين الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) ويقول:
لقد تصدى الامام الصادق (ع) بقوة وحزم للتيارات الفكرية الطارئة في المجتمع الإسلامي والتي كانت تشكل خطرا على الرسالة الإسلامية
جاء حديثه هذا في خطبة الجمعة بمسجد الامام علي (ع) بستوكهولم في ذكرى شهادة الامام الصادق (ع) التي صادفت 25 شوال واليكم نص الخطبة:
لقد كان الامام الصادق (ع) قمة من القمم الشامخة في العلم والمعرفة واية من ايات الله الباهرة كأبائه الكرام، وما عسانا ان نتحدث عن هذه الشخصية العظيمة التي ملأت نظرياتها ومؤلفاتها الغرب والشرق، وان الحديث عنها حديث عن الرسالة الإسلامية بكل ابعادها وجوانبها، وهذا ما يصعب الإحاطة به في هذه الخطبة وفي غيرها ، غير ان الذي يجب التنبه اليه الى المعنيين على توجيه الامة من علماء وخطباء ومبلغين ومثقفين وأساتذة ومؤسسات تربوية وثقافية وإعلامية ان يعرّفوا أجيال المسلمين بشخصيات الائمة الطاهرين من اهل البيت (ع) كالامام الصادق (ع) وغيره، فانهم جهلوا مقامهم ومنزلتهم (ع) ولم يتعرفوا عليها وعلى خصوصياتها العلمية والمعرفية فكأنهم لم يعرفوا عن الإسلام شيئا.
ونحن في هذا المقام لا نريد شرح هذه الجوانب المتعددة وانما نشير الى موقف من مواقف الامام (ع) موقفه من التيارات الفكرية الطارئة في الإسلام والتي ظهرت بشكل طارئ حتى جعلت تثير التشكيك في عقائد الناس في التوحيد والنبوة والامامة وغيرها من الثوابت الاسلامية مما حدى بالامام (ع) مجابهة هذه التيارات بقوة وحزم ولكن بالتي هي احسن عملا بقوله تعالى ((وجادلهم بالتي هي احسن)) :
1- تيار الزنادقة: الذين اصبحوا يشككون الناس في قرانهم وقالوا ان استطعنا ننقض القران فكأنما نقضنا رسالة محمد (ص) من أساسها. فاجتمع منهم أربعة في البيت الحرام وتعاهدوا فيما بينهم على ان ينقض كل واحد منهم ربع القران الى العام القادم، وهم بن أبي العوجاء وأبو شاكر الديصاني وعبد الملك البصري وابن المقفع، وتفرقوا وذهب كل الى مكانه حتى اذا جاء العام القادم اجتمعوا في المكان الذي اجتمعوا فيه عند البيت الحرام ليطرحوا حصيلة ما توصلوا اليه من تفكير في نقض القران.
فقال ابن ابي العوجاء: فما زلت افكر منذ افترقنا في هذه الآية ((فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا)) فما قدرت أن أضم إليها في فصاحتها وجميع معانيها شيئا ولقد شغلتني عن التفكير في غيرها.
وقال عبد الملك البصري: وأنا منذ فارقتكم أفكر في هذه الآية ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)) ولم أقدر على الاتيان بمثلها.
وقال ابو شاكر الديصاني: وأنا منذ فارقتكم أفكر في الآية ((لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا)) ولم أقدر على الاتيان بمثلها.
وقال ابن المقفع: يا قوم ان هذا القرآن ليس من جنس كلام البشر وأنا منذ فارقتكم أفكر في الآية ((وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِين)) فلم أبلغ غاية المعرفة بها ولم أقدر على الاتيان بمثلها.
فبينما هم في ذلك إذ مر بهم جعفر بن محمد الصادق (ع) فقال ((قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)) فنظر القوم بعضهم إلى بعض وقالوا: لئن كان للإسلام حقيقة لما انتهى امر وصية محمد الا الى جعفر بن محمد واللّه ما رأيناه الا هبناه واقشعرت جلودنا لهيبته.
هذا نمط من تخطيطات الزنادقة الذي تصدى له الامام الصادق (ع) بكل ضراوة وعنف وقد حفلت كتب السيرة بالمناظرات والمحاورات المطلوبة التي خاضها الامام مع اقطاب هذا التيار وتصدى لها حماية للرسالة وللمسلمين.
2- تيار الغلاة: وبدء هذا التيار يتنفس بعنف خصوصا في زمن الامام الصادق (ع) وكان أصحابه يتساومون بموقع اهل اليت (ع) عن موقعهم الطبيعي فيضعونهم بصف الالهة وبصف الربوبية، فكانوا هم الاخرون الذي تصدى لهم الامام (ع) بكل عنف، فكفّرهم وتبرء منهم ولعنهم وامر أصحابه ان يتبرؤوا منهم ويعلنوهم وان لا يجالسوهم وان لا يقاعدوهم وان لا يواكلوهم وان لا يصافحوهم لانه تيار تحريف للعقيدة ، فاذا كان تيار الزنادقة تيار مكشوف وواضح يجابه العقيدة فهذا تيار اخر صبغته اهل البيت (ع) الا انها صبغة منحرفة وخطيرة على العقيدة، ولذلك كان موقف الامام (ع) منهم حازما وجازما.
3- تيار الوضاعين: هذا التيار وان كانت جذوره تمتد الى عصر النبي (ص) والائمة الاطهار (ع) من بعده لكنه برز في عصر الامام الصادق (ع) ووجد له متنفسا كبيرا، حيث كان أصحابه يضعون الاحاديث الكاذبة وينسبونها الى الائمة الطاهرين (ع)، كذلك تصدى الامام (ع) الى هذا الخط ولعن اقطابه وحذرهم وحذر منهم ومن احاديثهم التي كانوا يضعونها وينسبونها الى الائمة (ع) .
4- تيار القياس: الذي تبناه أبو حنيفة النعمان، فوجد الامام الصادق (ع) ان هذا التيار يشكل خطرا على الإسلام وعلى الشريعة نفسها، وان خطره لا يقل عن بقية التيارات، فتصدى له الامام (ع) بكل قوة عبر محاورات ومناورات دارت بينه وبين قطب هذا التيار وهو أبو حنيفة، الذي تراجع عن موقفه ونسب اليه هذا القول (لولا السنتان لهلك النعمان)
5- تيار المتصوفة: ويتلخص منهج هؤلاء بلبس الصوم ولبس المرقعات وكانوا يعيشون في الزوايا والتكايا ويدعون بانهم يعيشون العروج الى الله والانعزال عن الحياة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فتصدى لهم الامام (ع) بكل شدة وضراوة وأوضح للامة بان القرب من الله يتلخص بالتقوى والورع عن محارم الله لا عبر هذه الوسائل والقنوات الباهتة ، ولهذا التيار جذور من زمن النبي (ص) والذي حاربه بقوله (لا رهبانية في الاسلام).
وفي عصرنا الحاضر هناك تيارات تدعوا الى التشكيك والتحريف في العقيدة وفي المذهب وتحاول ان تحرف شبابنا وابناءنا عبر وسائل التواصل وما اكثرها اليوم ، فعلى الاباء والامهات ان يحافظوا على أبنائهم من الاجراف في هذه الأمور.
والحمد الله أولا واخرا