29 ذي القعدة 1440هـ
عزا سماحة السيد مرتضى الكشميري ممثل المرجعية العليا في اوربا المسلمين بذكرى شهادة الامام الجواد (ع) وذلك في مجلس العزاء الذي اقامته مؤسسة الامام علي عليه السلام في لندن في ذكرى استشهاده الموافق في آخر شهر ذي القعدة الحرام سنة 220 هـ وعمره الشريف آنذاك 25 سنة، ودفن في الكاظمية إلى جنب جده الامام موسى بن جعفر (ع).
نص كلمة سماحة السيد مرتضى الكشميري حفظه الله
وهو أصغر الأئمة (ع) سنا، واول الثلاثة من الائمة الذين تقلدوا منصب الامامة قبل بلوغهم الحلم، كما حصل ذلك لنبي الله يحيى وعيسى عليهما السلام.
وأما الادلة على إمامته فهي:
1- نفسها التي استدلوا بها على إمامة آبائه وأجداده عليهم السلام.
2- الأفضلية على معاصريه في جميع الكمالات، وتفوقه عليهم علما وعملا وأخلاقا وهديا وسلوكا، حتى اعترف بذلك الأعداء قبل الاولياء، وقد روى عنه العلماء الوانا ممتعة من الحكم والآداب التي تتعلق بمكارم الاخلاق وغيرها، الى جانب العلوم الاخرى، ومنها يتضح لنا انه افضل انسان في زمنه وعصره واعجوبة دهره، وقد تسلّم مسؤولية الإمامة وهو لا يتعد التاسعة من عمره الشريف حتى وقع الشك عند الكثيرين في إمامته، فعمدوا الى امتحانه بالأسئلة الفقهية والعلمية وغيرهما، وتوجهت وفود علمائية وجماعات الى المدينة واجتمعوا به واختبروه وسألوه عن آلاف المسائل فأجاب عنها بكل وضوح وبدون تردد، وعلى اثر ذلك عادوا الى بلدانهم معترفين بفضله، مقتنعين بإمامته، معجبين بعلمه لاحاطته بكل الأمور على صغر سنه.
وذكر الشيخ الطبرسي في اعلام الورى: ان ابا جعفر الجواد (ع) قد بلغ في فضله من العلم والحكمة والأدب مع صغر سنه منزلة لم يساويه فيها احد، ولذا كان المأمون العباسي مشغوفا بحبه لما رآه من علو رتبته وعظيم منزلته في جميع الفضائل، وكان متوفرا في اعظامه وتوقيره وتبجيله.
ومما ورد في سعة علمه (ع) ما رواه الشيخ الكليني في الكافي من ان قوما سألوا ابا جعفر الجواد (ع) عن ثلاثين ألف مسألة فأجاب عنها (لعل ذلك كان في مجالس متعددة والمسائل بلغت فروعها وتشعباتها الى ثلاثين الف مسئلة نظير مسألة يحيى بن أكثم).
وقد تحدث المرحوم الشيخ القرشي في ج32 من موسوعة اهل البيت (ع) عن الحياة الثقافية في حياة الإمام الجواد (ع) التي ازدهرت فيها الحركات الثقافية ، وانتشر فيها العلم انتشاراً واسعاً ، وتأسّست المعاهد الدراسية ، وانتشرت المكاتب العامة ، وأقبل الناس بلهفة على طلب العلم في كل من يثرب والكوفة والبصرة وبغداد، وبوجوده (ع) كانت يثرب آنذاك من أهم المراكز العلمية ، التي تشكّلت فيها مدرسة أهل البيت (ع) وضمّت عيون الفقهاء والرواة من الذين سهروا على تدوين أحاديث أئمة أهل البيت (ع) ، بما فيها الفقه باعتباره روح الإسلام وجوهره ، ولعل قول الإمام الرضا (ع) (هذا المولود الذي لم يولد في الإسلام مثله مولود أعظم بركة على شيعتنا منه) كان يشير الى دور الإمام الجواد (ع) هذا العصر.
هذا ولم تقتصر العلوم التي تطرق اليها الامام (ع) على علوم الشريعة بل تعدتها الى علوم الطبيعة كالكيمياء والفلك والرياضة والهندسة والسياسة والطب الذي كان له فيه باع طويل عبر شرح بعض النظريات العلمية والعلاجات الطبية، فكان (ع) ملجأ لكل ما يحتاجون اليه في دينهم ودنياهم.
ولكن من المؤسف والمؤلم مع تحضر العالم والتطور الذي نشهده يوما بعد يوم لم تنعكس اثار هذه العلوم على المناهج الدراسية في المدارس والمعاهد الاسلامية وغيرها حتى يتعرف عليها ابنائنا ويتعلموها ويعلموا ان هذه العلوم والمعارف مصدرها هم الائمة (ع)، بينما نرى الأعداء يذكرون لهم الاقزام والنكرات والأسماء المجعولة التي لا وجود لها في التاريخ ليحجبوا بها هذه الوجوه الوضاءة والمشرقة من اهل بيت النبوة الذين يمثلون الهدي والاستقامة في هذا العالم بما يحملونه من علم ومعرفة، ولكن ((يريدون أن يطفئوا نور الله بافواههم ويابى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون)).
ولهذا يقول الإمام جعفر الباقر (ع) لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة (شرقا وغربا لن تجدا علما صحيحا إلا شيئا يخرج من عندنا أهل البيت).
الى جانب هذا فقد كان للإمام (ع) دور بارز في ترسيخ العقائد الإسلامية والدفاع عنها، وتصحيح معتقدات الناس مما قد يخطر في أذهانهم من تصورات خاطئة حول أصول الاعتقاد، وموقفه من الفرق المنحرفة ورده على الأحاديث الموضوعة في فضائل بعض الصحابة التي روج لها بنو أمية منذ زمان معاوية بن أبي سفيان، وصرفوا الأموال الطائلة في سبيل وضعها ونشرها، وذلك لبلوغ أهدافهم السياسية والمحافظة على أركان ملكهم واستمرار تسلطهم غير المشروع على الخلافة الإسلامية.
نسال من المولى سبحانه وتعالى ان يجعلنا من المقتدين والسائرين على نهجه ونهج ابائه الكرام (ع).