15 شعبان 1438هـ
صلى ممثل المرجعية العليا في اوربا الجمعة في مدينة ابردين في الممملكة المتحدة بالمسجد الجديد الذي افتتح حديثا، واستهل خطبته بالدعاء الماثور عن الامام الصادق (ع) الذي علمه الامام لزرارة حينما ساله ان ادركت ذلك الزمان فاي شي اعمل فقال (ع) يا زرارة ادع بهذا الدعاء (اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم اعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني)، وهذا الدعاء هو عنوان صحيفة المؤمن في عصر الغيبة ومنه تتحدد واجبات المؤمنين كما اشار اليها البعض :
الاول: ترسيخ معرفة الامام (ع) وغيبته وحتمية ظهوره ومراقبته لاعمالنا التي يطلع عليها، ولعل الاشارة اليها بقوله ((وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)) .
ان لهذه المعرفة والاطلاع منه (ع) على اوضاعنا واعمالنا اثر مشهود في دفع الانسان المسلم نحو العمل الاصلاحي والبناء على الصعيدين الفردي والاجتماعي، فهي تجعل لعمله حافزا اضافيا يتمثل بالشعور الوجداني بان تحركه يحضى برعاية ومراقبة امام زمانه الذي يسره ما يرى من المؤمنين من تقدم ويؤذيه اي تراجع او تخلف عن العمل الاصلاح البناء، والتمسك بالاحكام والاخلاق والقيم الاسلام التي ينتظر توفر شروط ظهوره لاقامة حاكميتها في كل الارض وانقاذ البشرية بها ، وبهذا الخصوص روى الشيخ الكليني في موسوعته الكافي عن زرارة ان الامام الصادق (ع) قال (لابد للغلام من غيبة، قلت: ولم؟ قال: يخاف – وأومأ بيده إلى بطنه – وهو المنتظر، وهو الذي يشك الناس في ولادته، فمنهم من يقول: حمل، ومنهم من يقول: مات أبوه ولم يخلف ومنهم من يقول: ولد قبل موت أبيه بسنتين قال زرارة: فقلت: وما تأمرني لو أدركت ذلك الزمان؟ قال: ادع الله بهذا الدعاء: اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرفك، اللهم عرفني نبيك، فإنك إن لم تعرفني نبيك لم أعرفه قط، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني). وفي هذا الحديث اشارة الى الاسس العقائدية للايمان بامام العصر وثمار معرفته.
الثاني: على المؤمنين في عصر الغيبة توثيق الارتباط والوجدان بالامام والتفاعل العملي مع اهدافه السامية والدفاع عنها، والشعور الوجداني العميق بقيادته، وهذا هو ما تؤكد عليه معظم التكاليف التي تذكرها الاحاديث الشريفة كواجبات للمؤمنين تجاه الامام (ع)، مثل الدعاء له بالحفظ والنصرة، وتعجيل فرجه وظهوره، وحفظه من شر الاعداء، والتصدق عنه، والمواظبة على زيارته، وغير ذلك مما ذكرته الاحاديث الشريفة التي تصدى لها بعض الاعلام فجمعها في كتاب خاص بعنوان (وظائف الانام في غيبة الامام).
الثالث: احياء امر اهل البيت (ع) الذي يمثله (عج) بما يعنيه ذلك من العمل بالاسلام النقي المحمدي الذي دافعوا عنه ونشروا افكاره، والتعريف بمظلويتهم وموالاتهم والبراءة من اعادءهم والعمل بوصاياهم ونشر تراثهم وتعاليمهم (ع) .
رابعا:
أ– عدم الرجوع الى الحكومات الظالمة، واتباع الفقهاء (المراجع) العدول الذين تتوفر فيهم الشرائط التي نص عليها اعاظم العلماء في رسائلهم العملية، لان الله جعلهم حجة على الناس لقول الامام الحسن العسكري (فأمّا مَن كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلّدوه) (وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم، وأَنا حجّة اللّه عليهم) ، لانهم حماة الشريعة وحفظتها من التحريف والتشويه ودرئ الشبهات عنها، والتصدي لمن يريد النيل منها، وقد اثبت هذا مراجعنا العظام عمليا على مر التاريخ في مواقفهم المصيرية التي تعرضت لها مدرسة اهل البيت (ع) بدءا بقضية التنباك وانتهاءا بفتوى الجهاد الكفائي.
ب– الاستعانة بالله في كل ذلك، كما ورد في النص (إن أقرب الناس إلى الله عز وجل وأعلمهم وأرأفهم بالناس محمد والائمة صلوات الله عليهم أجمعين فادخلوا أين دخلوا وفارقوا من فارقوا أعني بذلك حسينا وولده عليهم السلام فان الحق فيهم وهم الاوصياء ومنهم الائمة فأين مارأيتموهم فاتبعوهم فان أصبحتم يوما لاترون منهم أحدا فاستعينوا بالله وانظروا السنة التي كنتم عليها فاتبعوها وأحبوا من كنتم تحبون وأبغضوا من كنتم تبغضون فما أسرع مايأتيكم الفرج).
خامسا: تقوية الكيان الايماني والتواصي بالحق والصبر وهو من التكاليف التي تتأكد في عصر الغيبة بحكم الصعوبات التي يشتمل عليها والثبات على مذهب اهل البيت (ع) وفي الحديث (يأتي على الناس زمانٌ يغيب عنهم إمامهم ، فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان)، ويقول الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) (طوبى لشيعة قائمنا المنتظرين لظهوره في غيبته، والمطيعين له في ظهوره، أولئك أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) وفي حديث اخر عن الامام الجواد (ع) (له غيبه يكثر ايامها ويطول امدها ، فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون ويستهزئ بذكره الجاحدون ويكذب فيها الوقّاتون ويهلك فيها المستعجلون وينجو فيها المسلمون).
فمثل هذا التوجه في نفوس المؤمنين يعزز الايمان والاخلاص لله عز وجل والثقة بحكمته ورعايته لعباده، فهو علامة حسن الظن بالله، لذا فلا غرابة ان تصف الاحاديث الشريفة بان الانتظار من احب الاعمال الى الله لقول الرسول (ص) (افضل اعمال امتي انتظار الفرج).
وما دمنا في الحديث عن الانتظار لابد لنا ان نعرف معنى الانتظار الايجابي الذي اشار اليه صادق اهل البيت (ع) بقوله (من سره إن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر فان مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من ادركه فجدوا وانتظروا هنيئا لكم ايتها العصابة المرحومة).
ولا ريب انه كلما اشتد الانتظار ازداد صاحبه ثوابا ومقاما عند الله عز وجل ، والانتظار كما قلنا يعني ترقب ظهور قيام الدول الظاهرة والسلطة الظاهرة لمهدي ال محمد (ع) وامتلائها قسطا وعدلا وانتصار الدين القويم على جميع الاديان، كما اخبر به الله تعالى نبيه الاكرم ووعده بذلك، بل بشر به جميع الانبياء والامم بانه يأتي بمثل هذا اليوم الذي لا يعبد فيه الا الله تعالى ولا بيبقى من الدين شيء مخفي وراء ستر وحجاب مخافة احد.
نسأل الله عز وجل ان يرينا ذلك اليوم الذي اشار اله النبي (ص) بقوله (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملاها عدلا كما ملئت جورا).