نص كلمة سماحة السيد مرتضى الكشميري حفظه الله في مركز الحسنين عليهما السلام في برلين :-
ان لنهضة الامام الحسين (ع) مرحلتان من المواجهة مع المد الطاغوتي:
المرحلة الاولى: كانت بخروجه (ع) من المدينة الى كربلاء واستشهاده مع اهل بيته واصحابه (ع)بعد ظهيرة يوم عاشوراء حينما سقط على ارض كربلاء.
المرجلة الثانية: كانت بقيادة عقيلة الطالبيين زينب (ع) والتي بدأت بها لحظة مصرع الحسين (ع) وحتى وصول الركب الحسيني الى المدينة. فكان لها (ع) الدور المميز للحفاظ على مسيرة تلك الثورة المباركة وترسيخ اهدافها، فكان دورها لا يختلف عن دور امها الزهراء (ع)، حيث اظهرت (زينب) (ع) من الشجاعة والصلابة ما قل نظريه بين نساء العالم رغم الطغيان والجبروت الذي واجهته من الاعداء، فنراها بعد قتل كل رجالات بيتها وأنصارهم خرجت (ع) تعدو نحو ساحة المعركة، تبحث عن جسد أخيها الحسين (ع) بين القتلى غير عابئة بالأعداء المدججين بالسلاح، حتى وقفت على جثمانه الذي مزقته سيوف الحاقدين وطعنات رماحهم وهو جثة بلا رأس مقطع إرباً إرباً، فالكل كان يتصور أنها سوف تموت أو تنهار وتبكي وتصرخ أو يغمى عليها، لكن ما حدث هز أعماق الناظرين، فأمام تلك الجموع الشاخصة بأبصارها إليها، فجعلت (ع) تطيل النظر إليه، ثم وضعت يدها تحت جسده الطاهر المقطع وترفعه نحو السماء وهي تدعو بمرارة قائلة (اللهم تقبل منا هذا القربان القليل لدينك).
أي كلام تنطق به هذه السيدة، إن كان لا يتعدى عدة كلمات إلا أنه كبير وعميق في مغزاه ومحتواه، وبهذا الكلام هزت الجيش الأموي، وكانت كالعاصفة دمرت الطغاة القتلة أعداء الرسول (ص) من الأعماق، فقد كانوا يتصورون عندما ترى زينب (ع) هذا المشهد المرعب والمريع سوف تضعف وتنهار لكنها كانت صامدة وصابرة ولم تنهار، وإنما أعطت الأمة دروساً قيمة في التضحية من أجل العقيدة حينما دعت الله تبارك وتعالى أن يتقبل من هذا البيت الطاهر قربان العقيدة وفداء الإيمان.
وهناك موقف آخر في الكوفة عندما أدخلوا السبايا على ابن زياد حيث كان يعلم أن زينب (ع) موجودة مع النساء، فأراد إذلالها في مجلسه وأمام الملأ، فالتفت نحوها قائلاً: من هذه الجالسة؟. فلم تجبه استهانة به واحتقاراً لشأنه، وأعاد السؤال، عندها قامت إحدى السبايا وقالت له: هذه زينب ابنة فاطمة بنت رسول الله (ص). عندها انفعل من ترفّع زينب (ع) عن إجابته واندفع يخاطبها غاضباً متشمتاً: (الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم). هنا برزت هذه اللبوءة العلوية مع أنها كانت تحبذ التسامي والتعالي على مخاطبة ابن زياد، إلا أن الموقف كان يتطلب منها ممارسة دورها الرسالي في الدفاع عن ثورة أخيها الحسين (ع)، وتمزيق هالة السلطة والقوة التي أحاط بها ابن زياد نفسه، لذلك بادرت إلى الرد عليه قائلة: (الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد (ص) وطهرنا من الرجس تطهيراً إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر، وهو غيرنا يا ابن مرجانة..).
لقد هزت كيان ابن زياد بهذا الرد الشجاع القوي مع أنها تمر بأفظع مأساة وأسوأ حال، فأراد ابن زياد أن يتشف بها فقال لها: (كيف رأيت صنع الله باخيك والمردة من أهل بيتك؟).
لكن العقيلة زينب أفشلت محاولته وانطلقت تجيبه بكل بسالة وصمود: (ما رأيت إلا جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم، فانظر لمن الفلاح يومئذٍ ثكلتك أمك يا ابن مرجانة!!).
إنه لموقف عظيم لقد تجاوزت زينب (ع) بإرادتها وبصيرتها النافذة كل ما أحاط بها من آلام المأساة ومظاهر قوة العدو الظالم، فقد واجهته بالتحدي وجهاً لوجه أمام أعوانه وجمهوره، معلنة انه لا ينتابها أي شعور بالهزيمة والهوان، فما حدث لأسرتها شيء جميل بالنظر للرسالة التي يحملونها، وما حدث هو استجابة لأمر الله تعالى الذي فرض الجهاد ضد الظلم والعدوان، وهي واثقة من أن المعركة قد بدأت ولم تنته.
وكان ردها عليه قاسياً شديداً أسقط هيبته الزائفة في أعين الحاضرين جميعاً. كيف لا وهي ابنة علي الكرار (ع)، لا تفر أبداً.
ومن هنا كنا دائما نؤكد على نسائنا الاقتداء بسيرة زينب (ع) ، والحمد لله قد رأينا بأم اعيننا ما قامت به المرأة العراقية من دور مرموق في شحذ همم زوجها وابنائها واخوانها استجابة لنداء المرجعية العليا في الدفاع عن مقدسات الامة وتطهير ارض العراق من دنس الدواعش الذين ساروا على نهج ابن زياد في ظلمهم فلم يتركوا محرما الا واقترفوه ولا مقدسا الا وانتهكوه، ولولا مواقفها الشريفة لما تحقق الانتصار في الموصل وتلعفر وغيرها.
فنسال المولى سبحانه وتعالى ان يحفظ العراق موحدا بكل قومياته واطيافه ومكوناته انه سميع مجيب.