- 14 رمضان 1445هـ
ممثل المرجعية العليا فيأوروبا يهنئ العالم الإسلامي بولادة الإمام الحسن السبط (ع) ويدعو:
• الى الإقتداء بأخلاق سيد شباب أهل الجنة الذي كان مثالا كريما للخلق النبوي الرفيع
• ينبه الجيل الواعي بأن يتأكد من صحة ما ينسب للائمة (ع) من أمور لا تمت للحقيقة بصلة لان الأعداء يحاولون تزوير الحقائق للتاريخ مما برر للغربيين وغيرهم الإساءة لنبي الإسلام (ص) وعترته الطاهرة (ع)
وبهذه المناسبة الكريمة اليكم نص حديثه حيث قال ان الامام أبي محمد الحسن الزكي (ع) أول الأسباط من نسل محمد (ص) سيد الأنبياء و نسل علي (ع) سيد الاوصياء، وأول من اجتمع فيه نور النبوة و الإمامة فكان مجمع النورين وأحد النيرين و ملتقى البحرين ((مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ، بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ)) علي بحر نور الإمامة و فاطمة بحر نور النبوة و الكرامة.
هذا الإمام العظيم ذو الشأن الكبير سيد شباب أهل الجنة الذي كان له من العلم والفضل والكمال ما تعجز عن تسطيره الأقلام حتى كتب عنه أرباب التاريخ و السير ما يضيق المقام بذكره غير أنه من المؤسف أن افترى عليه الأعداء افتراءات كبيرة و خطيرة لغرض تضعيف شخصيته (ع) أمام خصومه و مناوئيه. وقد نقلها بعض كتاب العصر الحديث في كتبهم وأرسلوها إرسال المسلمات دون التثبت من مصادرها وحقيقتها ودوافعها والغاية التي وضعت من أجلها.
و لهذا فنحن مع أولئك الذين يدعون إلى إعادة كتابة التاريخ الاسلامي بموضوعية وبأيادٍ أمينة بعيدة عن التعصب و النصب؛ لأن تاريخ المسلمين ومن المؤسف قد كتب وفق أمزجة حكام العصر و أهوائهم من أمويين و عباسيين وغيرهم، وجاء المتأخر من المؤرخين ينقل عن المتقدمين دون أن يبحث عن دوافع من كتب وما كتب خصوصا في ما يرتبط بتاريخ النبي (ص) و العترة الطاهرة من أهل بيته وأتباعهم.
و لهذا السبب نجد بعض الغربيين استندوا في إساءتهم إلى النبي (ص) إلى هذه الخزعبلات الموضوعة من أن النبي (ص) كان يستمع إلى الغناء و كان يرقص مع بعض أزواجه و أنه كسائر البشر له حالة الرضا والغضب وأنه يسهو و يخطأ وغيرها مما جرأ هؤلاء على رسم ما يريدون. في حين إن سفارة الأنبياء ومقامهم أجل وأسمى من أن تتسرب إليه مثل هذه الشكوك والأوهام وإلا فلن يكون النبي موضعاً لأخذ الأحكام الإلهية عنه؛ ولهذا كان معصوماً عن الخطأ والزلل بنص آية التطهير وغيرها من الآيات المباركة.
ونحن لا ننسى دور كعب الأحبار و وهب بن منبه و المنافقين في نشر الأكاذيب في تاريخ المسلمين وتفاسيرهم ودس السموم فيها ووضعها كقنابل موقوتة تنفجر في حينها.
حتى جاء المتأخرون من أنصاف رجال الدين يبحثون عن ضالتهم في هذه الملفات المزورة ليتخذوا منها زاداً يغذون به شباب العصر و ناشئته و يصورون لهم بأن من يقتل و يحرق و يغرق ويفجر و يفتك بالمسلمين و أتباع أهل البيت (ع) هو من المقربين إلى الله و إلى رسوله وهو معه في الجنة.
فوظيفتنا في هذه الأيام أن نكون على وعي تام لما نستمع إليه؛ لأنه من استمع إلى ناطق فقد عبده فإن كان الناطق عن الله فقد عبد الله و إن كان الناطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان.
فعلى الجيل الواعي أن يتمسك بالعروتين الوثيقتين الهاديتين إلى الصراط المستقيم كتاب الله والعترة الطاهرة فإن المتمسك بهما لن يضل عن الطريق؛ لأنهما حبل الله المتين والعروة الوثقى التي أمرنا باتباعها وإليهما الإشارة بقوله (ص): (إني خلفت فيكم الثقلين إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي اهل بيتي)، وقوله (ص) لعمار في ما يرويه الفخر الرازي (ومَن اقتدى في دينه بعليّ بن أبي طالب فقد اهتدى)، و قوله ايضا (يا عمار إذا رأيت عليا قد سلك واديا وسلك الناس واديا غيره فاسلك مع علي ودع الناس ، فإنه لن يدلك على ردى ، ولن يخرجك من هدى).من ذلك ما ذكره المؤرخون بأنه اجتاز عليه شخص شامي ممن تربى على غلظة الأخلاق و خشونتها فجعل يكيل للإمام (ع) السب و الشتم و الإمام ساكت لم يرد عليه شيئا من مقالته. وبعد الفراغ التفت إليه الإمام مخاطبا إياه بلطيف القول وببسمة فياضة بالبشر قائلا: (أيها الشيخ أظنك غريبا ، ولعلك شبهت؛ فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعا أشبعناك، وإن كنت عريانا كسوناك، وإن كنت محتاجا أغنيناك، وإن كنت طريدا آويناك ..) وما زال يلاطف الشامي بهذا و مثله ليقلع روح العداء و الشر من نفسه حتى ذهل و لم يطق رد الكلام و بقي حائرا خجلا كيف يعتذر للإمام و كيف يمحو ذنبه، ثم بكى وقال: ((الله أعلم حيث يجعل رسالته)).
وكان من الطّبيعي أن يفعل الإمام الحسن (ع) ذلك مع هذا الإنسان المغرر حتى يرشده إلى الطريق الصحيح. وعلينا أن نتعلّم من هذه الأخلاق، ونأخذ بالمنهج الذي يجب أن نسير عليه ونفهم عمقه، لنتمكَّن من مواجهة الأجهزة التي ـ منذ بدء التاريخ وحتى الآن ـ تحاول أن تغيّر للناس أفكارهم، سواء كان ذلك بما يتصل بالدِّين أو المذهب أو السياسة أو الشّخص، بحيث تنطلق هذه الأجهزة في كلِّ عناصرها البشرية وآلياتها الإعلامية، في تشويه صورة شخصٍ ما، بأن تنسب إليه الكثير من الباطل أو السوء أو الشر مما ليس فيه وليس من أخلاقه، حتّى يأخذ الناس هذه الصورة المشوّهة عنه، فيعيشوا السلبية تجاهه، ليسبّوه ويلعنوه ويكفّروه ويضلّلوه.
وكانت الخطة أن يغسل معاوية أدمغة المسلمين بتأكيد بغض علي وأهل بيته(ع)، حتى لا يأتي بعده من يحمل رسالته وينطلق بالقيادة. ولذا أراد الإمام الحسن (ع) أن يغيّر منهجية هذا الشيخ من خلال التفكير بالواقع بعد أن غُسل دماغه بالباطل، واستطاع الإمام (ع) أن يربح صديقاً بعد أن كان عدوّاً تأكيداً للمنهج القرآني: ((ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)). ولكن مشكلة الأسلوب الذي يتّبعه اليوم بعض المؤمنين والمتديّنين، أنهم يحوّلون أصدقاءهم إلى أعداء، لأنهم لا يعرفون كيف يديرون الأمور في المشاكل التي يواجهونها، فيحطمون بذلك رموز الإصلاح، وهذا ما يخالف نهج عليّ والحسن (ع).
لقد كان الإمام كجده الرسول (ص) في سعة حلمه وعظيم أخلاقه و صفحه عمن أساء إليه و قد روى التاريخ بوادر كثيرة من أخلاقه دلت على أنه في طليعة المساهمين في بناء الأخلاق و الآداب في دنيا المسلمين.
هذا غيض من فيض ولو تتبعنا سيرة أعلام النبوة والصحابة الأجلاء لرأينا فيها من العظات و العبر ما يكون زاداً لحاضرنا ومستقبلنا و لأنفسنا وأبنائنا.
نسأل من المولى سبحانه وتعالى بعظمة هذا الشهر وببركة كريم أهل البيت (ع) أن يجعلنا من السائرين على هديه هدي النبوة والمثقفين أثره إنه ولي التوفيق.