2 صفر 1439هـ
العشرون من صفر هي مناسبة زيارة الاربعين للامام الحسين (ع) التي عشناها وشهدناها وسنشاهدها هذا العام عبر القنوات الفضائية ومختلف وسائل الاعلام المحلية والعالمية، حيث الزحف المليوني من البشر من مختلف مناطق العراق وخارجه، والمتجهة صوب مدينة ابي الاحرار وانشودة الثوار كربلاء الشهامة والعز والكرامة والفخر، لتجديد العهد والولاء والبيعة لأبي الضيم الامام الحسين بن علي (ع)، والملفت للنظر هذا العام ان هذه المراسيم الحسينية تجري رغم الجراح الذي يمر به العراق والعراقييون في الصراع مع الارهاب والتكفير والمؤامرات الدولية والاقليمية في تقسيمه وتضعيفه، غير ان الارادة الالهية شاءت ببركة سيد الشهداء (ع) وحكمة المرجعية العليا بأن اعادت الامور الى نصابها وانتصر العراقيون بحمد الله على اختلاف مكوناتهم وقومياتهم من عرب وكرد وتركمان وشبك وغيرهم، والمأمول منهم ان يعيشوا جميعا في عراق موحد ينعم بالامن والاستقرار والرفاه على اساس العدل والانصاف، متساوين بالحقوق والواجبات وبناء الثقة فيما بينهم، بعيدا عن النزاعات التسلطية والحكم الاثنيني او الطائفي التزاما بالدستور الذي حظي بموافقة الاغلبية والذي بموجبه يجب على الجميع احترامه ورعاية مواده وبنوده، فلهذا نأمل وببركة هذه المناسبة الكريمة ان يعيش العراقيون كافة بروح واحدة ونفس واحد وقلب واحد بعيدا عن التباغض والتنازع والتشاحن والانانية التي هي مصدر البلاء على الجميع.
ولنعلم بأن قوة العراق والعراقيين بل والامة الاسلامية انما هي بوحدتهم والتزامهم بدينهم وعقيدتهم التي من اجلها ضحى سيد شباب اهل الجنة بنفسه واهل بيته الكرام وقاوم الباطل واحيى السنة وامر بالمعروف ونهى عن المنكر ولم يطلب لنفسه (ع) منصبا او كرسيا، فكرسيه كان حجر جده النبي (ع) وانه من اهل بيت النبوة الذين لم يتصدوا لحكم الا ليقوّموا المعوج ويدعوا الى الحق ويدفعوا الباطل، فهذا جده رسوله الله (ص) عرضت عليه قريش الملك والسيادة والمال على ان يترك دعوته وقول الحق فابى، وقال لعمه ابي طالب (يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك فيه) وهذا ابوه امير المؤمنين وامام المتقين علي بن ابي طالب (ع) يقول (اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الَّذِي كَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِي سُلْطَانٍ وَلَا الْتِمَاسَ شَيْءٍ مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ وَلَكِنْ لِنَرِدَ الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ وَنُظْهِرَ الْإِصْلَاحَ فِي بِلَادِكَ فَيَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ وَتُقَامَ الْمُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِكَ).
ونحن اذا اردنا السعادة الابدية دنيا واخرة يجب علينا الاقتداء بنهج الحسين (ع) وخطه، الذي ما نهض الا من اجل احقاق الحق ودحض الباطل وتحقيق العدالة الانسانية للبشرية، ولهذا نجده اليوم وبعد مضي 14 قرن من الزمن وكأنه ولد اليوم وصوته يدوي في الافاق (من لحق بنا أستشهد، ومن لم يلحق بنا لم يدرك الفتح)، وقول عقيلة الطالبيين زينب ابنة امير المؤمنين لابن اخيها السجاد (ع) (وينصبون لهذا الطف علماً لقبر أبيك سيد الشهداء ، لا يَدرس أثرُه ، ولا يعفو رسمُه على كرور الليالي والأيام ، وليجتهدَنَّ أئمةُ الكفرِ وأشياعُ الضلالة في محوه وتطميسه ، فلا يزدادُ أثرُه إلا ظهوراً ، وأمرُه إلا علواً).
هذا هو الفتح الذي اشار اليه الامام الحسين (ع) عند خروجه من المدينة بانه سيكون رمزا للمناضلين ومدافعا عن المستضعفين، وهذا السيل الهادر من الناس من مسلمين وكتابيين وصابئة وايزيديين وبوذيين وغيرهم، كلهم ينادون بصوت واحد (لبيك يا حسين).
وستشهد زيارة الاربعين هذا العام كما الاعوام السابقة اراقاما قياسة بكل جوانبها في الوصول الى ارض الشرف، ولعل موسوعة جينس للارقام القياسية توثق ذلك بسجلها وحساباتها هذه الاعداد الهائلة التي لم يشهد لها التاريخ مثيل.
اذا علينا ايها المحبون ان نسعى جميعا بان نكون مع الحسين (ع) قولا وعملا للاهداف التي نهض من اجلها سيد الاصلاح الامام الحسين (ع) ، ولنتعلم منه معاني الاباء والتضحية والسعادة للانسانية.
((ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب))