ممثل المرجعية العليا في أوروبا يهنئ العالم الإسلامي بقرب حلول عيد الفطر المبارك، ويسأل المولى العلي القدير أن يمن على المسلمين بالأمن والأمان ويبعد عنهم الفتن وشرور الزمان، ويؤكد على:
• الاستمرار على ما مارسوه من الطاعات في الشهر الكريم والمداومة عليها إلى ما بعده
• تفقد أوضاع المحتاجين والمهجرين ورعايتهم، ولا سيما عوائل المجاهدين والمقاتلين
• مواساة الأرامل واليتامى وأسرهم، لإعادة البسمة على شفاههم أيام العيد
• صلة الأرحام وزيارة الإخوان والبر بالوالدين والإحسان إليهما
• بارك للقوات الأمنية في العراق بكل فصائلها الانتصارات الأخيرة التي تحققت على أيديهم، وتمنى لهم التوفيق في تحرير ما تبقى من ارض الوطن
• ناشد القوات الأمنية بالحفاظ على البلاد وأرواح العباد والحد من المزيد من إراقة الدماء
28 رمضان 1437هـ
افتتح حديثه بدعاء الإمام السجاد (ع) حيث قال: (اللهم هذا يوم مبارك، والمسلمون فيه مجتمعون في أقطار أرضك يشهد السائل منهم والطالب والراغب والراهب، وأنت الناظر في حوائجهم؛ فأسألك بجودك وكرمك وهوان ما سألتك عليك أن تصلي على محمد وآل محمد“، „وبارك لنا في يوم عيدنا وفطرنا، واجعله من خير يوم مر علينا، أجلبه لعفو وأمحاه لذنب، واغفر لنا ما خفي من ذنوبنا وما علن).
هكذا بارك الإمام زين العابدين (ع) للمسلمين يوم العيد، وتمنى على الله أن يقضي حوائجهم الدنيوية والأخروية، وأن يجعل يوم عيدهم من خير أيام مرت عليهم، وأجلبها للعفو والمغفرة.
فعلى المسلمين أن يعيشوا في هذا الجو الإيماني الذي تمناه الإمام (ع) لهم في حاضرهم ومستقبلهم، وأن يشكروا الباري على ما وفقهم لأداء فريضة من فرائضه الواجبة، وما صاحبها من توفيقهم للأعمال في هذا الشهر الكريم من تلاوة القرآن، وقراءة الأدعية المباركة، والقيام بأعمال الخير الخاصة والعامة، كالعطف على الأرامل والأيتام، ومواساة الفقراء والمحتاجين. فالحري بالمؤمن الواعي أن يتحسس آلام الآخرين كما يتحسس آلامه، وقد جاء عن أئمة أهل البيت (ع) أن للمؤمن على المؤمن أربعين حقاً وفي رواية سبعين (أهونه أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك)، فعلينا أن نضع أنفسنا بهذا الميزان الدقيق الذي رسمه لنا الإمام (ع)، وأن نسأل المولى سبحانه أن يوفقنا للاستمرار طوال السنة على ما وفقنا إليه خلال هذا الشهر من الأعمال والأفعال، لا أن ينخفض هذا الوهج الإيماني المتحرك، فيصاب الفرد منا بالضمور والخمول والركود، ولا يأتي بما كان يقوم به بالأمس من الفعاليات، وكأنه قد ودعها بوداعه للشهر الكريم. ولذا نقول:
1- ليس من الإيمان أن ينتصر المؤمن على النفس في شهر رمضان ثم ينخذل عنها في بقية شهور العام.
2- وليس من الإيمان أن نغض أبصارنا عن الحرام في شهر رمضان، ثم نعود إلى ما كنا عليه بعده، فنكون من مصاديق قوله تعالى ((ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً)) ولكن من الإيمان أن تصوم جوارحنا عن كل معصية لله في شهر رمضان وبعده حتى نلقى الواحد الديان.
3- وليس الإيمان أن نتورع عن المحارم في هذا الشهر، ونعود إليها بعده، وإنما الإيمان أن يكون الورع مبدأ ثابتاً وسلوكاً مستمراً طوال العام.
4- وليس من الإيمان أن نبتعد عن حضور المجالس التي تغضب الله إكراماً للشهر ثم نرجع إليها، وكأن الله عز وجل ليس لنا بالمرصاد في بقية الشهور والأعوام.
5- وليس من الإيمان أن نراقب الله في واجباتنا وأعمالنا ما دمنا صائمين، فإذا ودعنا شهر الصيام عدنا إلى ما كنا عليه سابقا من المعاصي والذنوب.
6- وليس من الإيمان أن يكثر التزاور بين المؤمنين في شهر رمضان ثم ينقطع، فلا يكاد البعض منهم يرى البعض الآخر إلى العام القادم، في حين أنه ورد في الحديث (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى سائره بالحمى والسهر).
أيها الأعزة، إن مثل الانسان الذي لم يفقه حقيقة الصوم والعبادة، كمثل الناقة التي عقلها أهلها ثم أطلقوها، فلا تدري لم عقلت ولم أطلقت، فكذلك البعض من الصائمين لا يدري لم صام ولم أفطر؛ فهو مصداق للحديث الشريف (كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والظمأ وكم من قائم ليس له من قيامه إلا التعب والعناء).
أيها الأحبة، إن شهر رمضان شهر التوبة والغفران، ولكن هذا لا يعني أن التوبة محصورة ومقصورة عليه، بل إن بابها مفتوح على مصراعيه في كل أشهر السنة، وكأن الحي القيوم ينادينا في كل وقت ((قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ))، إنه جل وعلا يدعو المسرفين إلى التوبة، وهو القائل ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً)) والتوبة النصوح كما قال بعض العلماء الندم في القلب، والاستغفار باللسان، والإقلاع عن الذنب.
إذن علينا أن لا نفوت الفرصة في هذه الليلة التي هي آخر ليلة من شهر رمضان وبعدها تكون ليلة الجائزة ويوم العيد، حتى نكسب غفران الله ورضوانه، ولا نكون كما قال الله تعالى ((أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ“. فعلى كل إنسان أن يحاسب نفسه قبل خروج الشهر، ويتذكر قول النبي صلى الله عليه وآله: „فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم)).
هذا، وما دمنا على أبواب العيد، فعلينا أن نتذكر الاخرين بأن نتحسس آمالهم وآلامهم، وعلينا أن نفكر في من حولنا من أقارب وجيران وفقراء وأيتام، ممن لا يمتلكون شيئا لتكتمل صورة العيد في أذهانهم، خصوصاً ما نشاهده من وضع المهجرين عن ديارهم وأوطانهم، وليحاول كل واحد منا أن يتحسس دوائره القريبة -الأقرب فالأقرب-، ليعيش معهم العيد في صورته البهية، ويرسم البسمة على شفاههم التي قد لا تعرف طعم الفرح؛ فهناك المئات من الذين استشهدوا وقتلوا في هذا الشهر، فترملت نساؤهم وتيتمت أطفالهم، وكم من الأسر أبيدت؛ فلم يبق منهم إلا الرجل الطاعن في السن والمرأة المسنة والطفل الرضيع، وكم من الثكالى تئن على شهدائها؛ فتلك على أخيها وأخرى على زوجها وثالثة على أبيها؛ فهل بعد هذه المآسي يبقى للعيد طعم؟ وهل فكر أحدنا بأن يزور هؤلاء الأرامل ويمسح على رؤوس اليتامى ويواسيهم بما يستطيعه من المواساة، ليخفف من آلامهم وأحزانهم؟ وهل فكر أحدنا بزيارة مقابر المسلمين في أيام العيد، ليراها تعج بالبكاء والنياحة؟ وكم هو جميل أن نرى بعض المؤمنين في أيام العيد يقصدون زيارة المقابر وقراءة الفاتحة لأمواتهم وأموات المؤمنين، ويزورون دور العجزة والطاعنين في السن، ويحملون إليهم من الورود والهدايا ما يبث فيهم روح الامل والبقاء.
مضافا إلى هذا كله، فقد أكد الاسلام في هذا اليوم (العيد) على صلة الارحام وزيارة الإخوان، فالحديث يقول ((صلوا أرحامكم ولو بالسلام، صلوا أرحامكم ولو بشق تمرة“، „فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ)).
وعلينا أن نبر بآبائنا وأمهاتنا؛ فإن لهم حقاً علينا، ولنستحضر في هذا المقام دعاء الإمام زين العابدين (ع) لوالديه (اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَهَابُهُمَا هَيْبَةَ السُّلْطَانِ الْعَسُوفِ، وَأَبَرُّهُمَا بِرَّ الأُمِّ الرَّؤُوفِ، وَاجْعَلْ طَاعَتِي لِوَالِدَيَّ وَبِرِّيْ بِهِمَا أَقَرَّ لِعَيْنِي مِنْ رَقْدَةِ الْوَسْنَانِ، وَأَثْلَجَ لِصَدْرِي مِنْ شَرْبَةِ الظَّمْآنِ حَتَّى أوثِرَ عَلَى هَوَايَ هَوَاهُمَا وَأُقَدِّمَ عَلَى رِضَاىَ رِضَاهُمَا وَأَسْتَكْثِرَ بِرَّهُمَا بِي وَإنْ قَلَّ وَأَسْتَقِلَّ بِرِّي بِهِمَا وَإنْ كَثُرَ…).
وأخيراً ندعو بما جاء في دعاء يوم الثلاثين من شهر رمضان (اللهم اجعل صيامي بالشكر والقبول على ما ترضاه ويرضاه الرسول، محكمة فروعه بالأصول، بحق سيدنا محمد وآله الطاهرين، والحمد لله رب العالمين)، ودعاء الإمام أمير المؤمنين (ع) (اللهم اشرح بالقرآن صدري واستعمل بالقرآن بدني ونور بالقران بصري وأطلق بالقران لساني وأعني عليه ما أبقيتني فإنه لا حول ولا قوة إلا بك).
نسأله عز وجل أن يتقبل منا صيام هذا الشهر وقيامه، وأن يوفقنا للاستمرار على أعمال الخير والبر، إنه ولي التوفيق.
((رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ))، ((رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ)).
هذا، ونبارك للقوات الأمنية بكل فصائلها الانتصارات الأخيرة التي رفعت من شأن العراق والعراقيين، ونتمنى لهم التوفيق والنصر المؤزر، وتحرير ما تبقى من أرض العراق، سائلين المولى سبحانه وتعالى أن يؤلف ما بين قلوبهم، لتكون كلمتهم كلمة واحدة لحفظ العراق ومقدساته.
كما نترحم على الشهداء الذين ضرجوا بدمائهم في الأيام الأخيرة من شهر رمضان، سائلين المولى أن يمن على القتلى بعلو الدرجات والجرحى بالشفاء العاجل، ومطالبين القوات الأمنية بالحفاظ على أمن البلاد والعباد، ومتابعة المجرمين الذين تسول لهم أنفسهم العبث بأمن البلاد واستقرارها.
هذا، وكل عام وأنتم بخير.