1 محرم 1438هـ
وجه صوت الجالية العراقية سؤالا الى سماحة العلامة السيد مرتضى الكشميري والذي يعكس وجهة نظر المؤمنين ولا سيما الشباب منهم جاء فيه: لماذا هذا التخصيص والتسمية لاصحاب الحسين (ع) واهل بيته لليالي العشرة الاولى من شهر محرم، في حين اننا نعلم بانهم قد استشهدوا جميعا في يوم واحد وهو يوم العاشر منه؟
فاجاب سماحته بما يلي:
اما بخصوص تقسيم ليالي العشرة الاولى من شهر محرم الحرام على اصحاب الحسين (ع) واهل بيته فمرده الى امرين:
1- نحن نعلم بأن ثورة الامام الحسين (ع) ذات اهداف رسالية وقيم حضارية وفيها دروس وعضات وعبر لمن اعتبر.
2- اختلاف مراتب الاشخاص الذين شاركوا في هذه النهضة، ففيهم الاعيان والزعماء وفيهم من الصحابة والتابعين وفيهم اخوة الامام الحسين (ع) وابنائه وابناء اخيه (ع) واهل بيته من ال جعفر وال عقيل وغيرهم، ولكل من هؤلاء خصوصية ايمانية يمتاز بها في عصره، فمن اجل اظهار هذه الخصائص لهذه الكوكبة من الرجال، خُصصت ليال معينة تذكر فيها سيرتهم واحوالهم وما تركوه من اثار سلوكية وتربوية واخلاقية في المجتمع، حتى يكونوا القدوة لمن يماثلهم في السن. كما ان الليالي الاولى خُصصت لمشروعية اقامة العزاء والبكاء على الحسين (ع) اقتداءا بالنبي (ص) واهل بيته (ع)، وتأسيا بسيرة الائمة المعصومين (ع) الذين كانوا يقيمون العزاء على ابي عبد الله الحسين (ع) من اليوم الاول من محرم كالامام الباقر (ع) والصادق (ع) والرضا (ع) وغيرهم، وكانوا يستقبلون فيها الشعراء والراثين لقراءة التعزية على الحسين (ع). هذا من جهة.
ومن جهة ثانية اراد الائمة (ع) ان يغلغلوا اثار هذه النهضة الحسينية في وجدان المحبين للحسين (ع)، وليظهروا فداحة ما ارتكبه الامويون من الظلم بحق العترة الظاهرة بعدما اوصى القران والنبي المصطفى (ص) بمودتهم .
وقد لعبت هذه المجالس وزيارة الامام الحسين (ع) دورا كبيرا في تثبيت العقيدة في نفوس المسلمين واتباع اهل البيت (ع) بالذات، وفي المقابل اقضّت مضاجع مناوئيهم فحاربوها حتى هذا اليوم .
اما تخصيص الليالي من الليلة الخامسة لمسلم بن عقيل والانصار والعباس وعلي الاكبر والقاسم وعبد الله الرضيع، وذلك ليستطيع المتحدث ان يذكر مواقفهم وجهادهم، وليبين للملأ اهمية عنصر الدين والمبدء في عقيدة هؤلاء، وانهم لم يقفوا هذه المواقف الجهادية الا للاسلام، وبهذا يبرهنوا للامم الانسانية ان الدين اغلى من كل شيء واثمن من الثروة واهم من المنصب والجاه، واعز من النفس والاهل والاولاد، حتى قال احد الابطال (والله ان قطعتـم يميني .. انّي أحامي أبداً عن ديني). وهذا يرشدنا الى درس تربوي مهم والا هو ان الدين اغلى من كل شيء واثمن من كل ما نملك، وهناك حاجة ماسة في هذا العصر وفي مجتمعاتنا المختلفة بأن يكون الدين هو اهم اولوياتنا، حيث يحتاج الدين منا الى ان نقوم بنشره بالاساليب الجذابة من خلال ربط الدين بالقيم الانسانية المعروفة، وحث ابنائنا وبناتنا على تعلم الدين وحمل ثقافته والانخراط في المشاريع الدينية الفاعلة في كل مجتمع ومكان، فليس شيء مما نملك اغلى واثمن واعز من الدين الذي هو الامانة التي طوقت بها اعناقنا قال تبارك وتعالى ((انا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما)).
وبعرض هذه السيرة المثلى لهؤلاء الابطال في هذه الليالي الحزينة، علينا ان نأخذ منها درسا في حياتنا لحاضرنا ومستقبلنا، خصوصا واننا نواجه في هذا العصر تحديات لعقيدتنا ومقدساتنا وبلداننا الاسلامية من اناس يحاربون الاسلام باسم الاسلام، فانتفضت لهم ثلة من مصاديق قول الحق ((رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)) فسطروا الملاحم تلو الملاحم. وعندما يدرس المرء خارطة طريقهم يرى فيها من يشابه اولئك الذين استشهدوا بين يدي الامام الحسين (ع)، كل هذا كان من بركات ونفحات فتوى المرجعية العليا بالجهاد الكفائي، وهناك الكثير من القصص تذكر عن هؤلاء الابطال ومنا ما ذكر لي بعض الثقات والذي له صلة وثيقة بالمقاتلين، قال : جاءتني احدى زوجات المقاتلين وذكرت لي انها تزوجت من مجاهد وعمرها لا يتجاوز ١٦ سنة وبعد زواجه مباشرة التحق بالقتال، وكانت تلومه دائماً، بل تقف امام الباب وتمنعه من الذهاب، ولكنه كان يصر على الذهاب رغم ممانعتها، وهي انما كانت تفعل ذلك لانها صغيرة السن وكانت تخشى ان يستشهد وتبقى وحيدة، وولدت له طفلة، وبعد ولادتها صارت الزوجة تمنعه اكثر ورغم ذلك كان يذهب. وفي احدى الليالي رأت الزهراء (ع) في المنام وكانت تعاتبها وتقول اذا استشهد فانه يأتي الى جوارنا فلماذا تمنعيه؟!
تقول فلم امنعه بعد ذلك، وها هو قد استشهد الان، وانا اصبحت ارملة، ولكنني اخشى ان تكون الزهراء (ع) غير راضية عني، واجهشت بالبكاء، وهي تسألني شيخنا هل الزهراء (ع) تبقى غاضبة علي لاني كنت امنعه؟.
اذا من هذه المواقف الجهادية يجب على رجالنا شيوخنا وكهولا وشبابا، وامهاتنا ان تكون لهم هذه المواقف عنوانا للطاعة والتضحية بالغالي والنفيس للاسلام من قبل من يمثل الطاقات الشابة في ثورة الامام الحسين (ع) الى الشباب من ابناء الجاليات الاسلامية في اوربا وامريكا وكندا لاحيائها بطريقتهم الحسينية العلوية المحمدية، وذلك لايصال مفاهيم الثورة من دعوات للاصلاح والتغيير في بناء مجتمع متكامل تتحقق فيه العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجميع، وان تكون حافزا لنا للتواصل معهم عبر دعمهم المادي والمعنوي ((والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين)).