8 ربيع الثاني 1438هـ
العلامة السيد الكشميري يذكر توصيات المرجعية العليا لزائري العتبات المقدسة ضمن النقاط التالية: (الجزء الاول)
• أن لا تقتصر زيارتكم لمراقد الأئمة الأطهار (ع) على المراسيم الظاهرية المتعارف عليها
• يحث على التعاون ما بين المؤمنين انفسهم وتفقد بعضهم البعض الآخر
• أكد على استثمار الوقت والاستفادة منه للوصول إلى مراتب الرقي والكمال
• تبجيله واحترامه للعلماء وأصحاب الكفاءة العلمية
• دعوته للتعايش والتحابّ بين المجتمعات التي يعيشون فيها بغض النظر عن العنصر والدين
• تأكيده على الزواج المبكر حفاظاً على دينهم وردعاً للفساد

جاء هذا الحديث عند زيارته للعتبات المقدسة أيام ولادة النبي المصطفى (ص)، وحفيده الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) و إزاحة الستار عن القبة العلوية بعد تذهيبها و زيارته لسماحة المرجع الأعلى السيد السيستاني (مد ظله) فكان يستمع إلى توصياته و توجيهاته القيمة للزائرين الذين كانوا يتوافدون على مكتبه في النجف الأشرف مصبحين و ممسين من مختلف الدول العربية والأروبية و الخليجية و الأفريقية و الآسيوية.

و كان سماحته يستقبل زائريه مجموعة مجموعة رجالا و نساء و شيبا شبابا و يتحدث إليهم بكل لطف و محبة محيياً أولاً زواره و مرحباً بهم و داعياً لهم بالتوفيق و التسديد لما فيه خير الدنيا و الآخرة ومخاطباً اياهم: إني لا أنساكم من الدعاء أبداً لأنكم تعيشون في قلبي و مشاعري و حبي لكم أكثر من حبكم لي.

ومن أهم الوصايا التي ذكرها سماحته لهم هي ما يلي:

١- أن لا تقتصر زيارتكم لمراقد الأئمة الأطهار( ع) على المراسيم الظاهرية المتعارف عليها، بل على الزائر الكريم أن يستجلي العظات و العبر و الدروس والأخلاق من حياة المزور له، كأن يتعلم من صبره و عدله و صدقه و إيمانه و غيرها من صفات الكمال التي يتصف بها الإمام المعصوم (ع)، لأننا نعتقد بأن الأئمة ( ع) كما هم قدوة لنا في حياتهم كذلك هم قدوتنا بعد استشهادهم، لما تركوه من تراث ضخم في مختلف المناهج التربوية والأخلاقية و التثقيفية التي لو عمل بها المسلمون لما تسلط عليهم الأشرار والطغاة و الجبابرة ، و أكد سماحته على الزائرين ثانيةً: المهم أن يرجع الزائر بحصيلة مثمرة من أخلاق الأئمة (ع) عند رجوعه من الزيارة بحيث تبدو آثارها على أهله و إخوانه متحلين بما اكتسبه من آثار الزيارة.

٢- أوصاهم بالتعاون فيما بينهم في مختلف شؤون حياتهم الدينية و الدنيوية مستشهداً بقول الإمام الصادق (ع) : ( للمؤمن على أخيه المؤمن أربعين حق أيسره أن تحب له ما تحب لنفسك) بمعنى أن كل ما تريده من خير لنفسك و لأولادك و لأهل بيتك تريده لغيرك، فَلَو أنك تحب أن يكون ولدك عالماً أو طبيبا، أو متفوقاً في العلوم و المعارف فليكن نظرك هذا إلى أخيك بمثل ما تراه لنفسك، و لو افترضنا أن كان هو بهذا الموقع بدلاً عنك فلا تحسده على ذلك و لا تنظر إليه بنظرة غير مريحة كونه حصل على ما يريد و لم تحصل على ذلك، و كأن سماحة المرجع (مد ظله ) بكلامه هذا يريد رفع الحاجز بينك و بين إخوانك فيما تحب و تكره، و في الحقيقة هذا ميزان دقيق و امتحان عسير قد يسقط فيه البعض إلا من عصم الله قلبه من الهوى و حب النفس.

٣- حث الآباء و الأمهات على الاهتمام بتربية أبنائهم الدينية منذ الصغر جرياً على تعاليم السنة النبوية الشريفة التي تقول إذا ولد المولود يؤذن في أذنه اليمنى و يقام في اليسرى، و قال سماحته أن هذا المعنى سيبقى مخزوناً في عالم اللاشعور، كما أكد على الأبوين بأن يصحبا أبناءهما وقت صلاتهما لله (عز و جل) إلى المصلى ليروهم كيفية الركوع و السجود و كيف يكبرون و يهللون، و يلقنونهم معرفة الله و أسماء النبي (ص) و الأئمة ( ع) و يعلمونهم أصول دينهم و فروعه عملاً بتوصيات الأئمة (ع) في مجال التربية الدينية، كما يؤكد سماحته على الاهتمام بحفظ القرآن الكريم و المحافظة على اللغة الأم للطفل إلى جانب اللغات الأخرى التي يتعلمونها في بلدانهم، لأن بالمحافظة على اللغة الأم سوف لا تنفصل الصِّلة بينهم و بين عقيدتهم لأنها هي الرابطة الوثيقة بين بقائها و انسلاخها.

٤- أكد على استثمار الوقت و الاستفادة من كل دقيقة تمر على الإنسان لأن الوقت كما يقال أغلى من الذهب فالذهب يستعاض و لكن الوقت لا يستعاض و قد قال الشاعر:
دقات قلب المرء قائلة           إن الحياة دقائق وثواني

فاحرصوا كل الحرص أن لا تضيع أوقاتكم سدى و استفيدوا منها لدنياكم و آخرتكم، و قال سماحته: نرى اليوم أبناء الأمم الراقية لا يضيعون أوقاتهم حتى في رحلاتهم و أسفارهم فتجدهم دائماً يصحبون الكتاب و الصحيفة و وسائل التواصل التي يستفاد منها هذا اليوم و قديماً قد قيل :(كن عالما آو متعلما و لا تكن الثالث فتهلك)، و قال إن الأمم بلغت سلالم الرقي في العلوم والمعرفة من خلال الاستفادة من الوقت و استشهد على ذلك بالصينيين و اليابانيين ممن ساهموا في ازدهار الحياة و تطورها.

٥- احترامه و تبجيله للعلماء أصحاب الكفاءات العلمية و السياسية والعسكرية و الصناعية و الاجتماعية و غيرهم و يعتبرهم أهلاً للإحترام و التقدير لما يحملونه من علم و معرفة كل حسب اختصاصه ، و بمعنى أوضح لا يقتصر تجليله لرجال الدين فقط مع احترامه و تقديره الفائق لهم بل يحترم كل من ينفع المجتمع بعلمه و قدراته و خدماته.

٦- كما أوصى سماحته الزائرين بالتعايش ‏والتحاب مع المجتمعات التي يعيشون فيها بغض النظر عن دينهم و عقيدتهم و عرقهم و لونهم لقوله تبارك تعالى: (( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين و لم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم و تقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)).

(الجزء الثاني)

جاء حديثه هذا عقيب زيارته لسماحة السيد السيستاني (مد ظله) الذي توافد زائريه من داخل العراق وخارجه، حيث قال:

كان سماحة مرجعنا المعظّم (مد ظله) يستقبل زائريه بكل شوق ومحبة، داعيا لهم بخير الدنيا والاخرة، غير ان الذي استرعى انتباهي من سيرة سماحته لزائريه على مختلف طبقاتهم وقومياتهم ما يلي:

تبجيله (دام ظله) لحملة العلم مهما اختلفت اختصاصاتهم ورتبهم العلمية

وقد لاحظته حينما يزوره أصحاب الكفاءات من الأطباء و الأساتذة و أصحاب الرتب العسكرية وغيرهم فيقوم احتراما لهم ويثني عليهم لما يقدمونه من خدمة وعطاء للمجتمع على اختلاف اختصاصاتهم. أما المربون و أساتذة الجامعات فله معهم حديث من صميم القلب الى القلب، ويعتبرهم المسؤولين والامناء على تربية الجيل وتثقيفه، ويقول لهم (تواضعوا لمن تعلمونهم العلم كما تتواضعون لمن تتعلمون منه العلم) مؤكدا عليهم زرع الثقة في أنفس الاجيال وفي دراستهم، مشيرا الى ان يتعاملوا مع طلابهم بلطف ومحبة كتعامل الأب مع أولاده، قائلا:

• زودوهم بأرقى المعلومات الحديثة التي تعلمتموها من مختلف العلوم والمعارف، لأن العالم اليوم في ثورة علمية كما هو في ثورة صناعية
• ربوهم على أخلاق النبوة واحترام بعضهم البعض الآخر، ومساعدة بعضهم البعض حتى يكونوا المثل الأعلى في الخلق والمعاشرة مع الآخرين التزاما بقول المعصوم (كونوا زينا لنا ولا تكونوا شينا علينا).

وفي حديث آخر خاطب الأساتذة بقوله (أنتم ربابنيوا هذه السفينة فقودوهم إلى بر الأمان و جنبوهم ما يدور في الساحة من الأحاديث السياسية و خرافات الخلافة الإسلامية و غيرها التي لا يراد منها إلا إشغال أذهان الشباب بمثل هذه التوافه و حرفهم عن منهج الحق وهو الإسلام الذي جاء به سيد البشر (ص) (و من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين)، ونموا في نفوسهم روح الاستعانة بالله سبحانه و تعالى في كل مهام أمورهم لأن العبد إذا استعان بالله سبحانه و تعالى فسوف يكون له و ناصر ويجعل له نورا يسعى بين يديه ((يوم ترى المؤمنين و المؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم و بأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم)) حتى يصل إلى سعادة الدارين.

وفي حديث آخر له مع قادة الجيش وأركانه (أنتم حماة الوطن والأمناء عليه وحراس حدوده من كل سوء وتعدي وهو أمانة بأعناقكم وأنا أفتخر بكم يا أعزائي وأدعو لكم بالنصر على أعداء العراق وأعدائكم).

خلقه في استقبال زائريه

يهتم سماحة السيد (مد ظله) بجميع زائريه مهما كان موقعهم وعمرهم وصنفهم، فيستقبلهم بكل مودة ومحبة، ومن كان معه بعض اولاده يرحب به ويضع يده على رأسه ويدعو له بالتوفيق.

1- فمن خلقه الكريم أنه لا يرضى لأحد أن يقبل يده و إنما يكتفي بالمصافحة إلا إذا أصر الطرف على ذلك، و قد لاحظته حينما تزوره مجموعة من الأخوات ضمن الرجال فيخصهن بالذكر احتراما لهن، وإذا كان الحديث يقتضي الترجمة فيقول للمترجم (خص بالخطاب النساء أيضاً)، كما أنه لا يرضى بجلوس أحد على الأرض و هو أعلى مستوى منه، ولولا منع الأطباء له بالجلوس على الأرض لاختارها لحبه لها.

2- و اما اهتماماته بشؤون المؤمنين الخاصة لمن يعيشون في مناطق يغلب عليها طابع الفقر وقدم المهن، فيخاطب الآباء قائلا لهم (اهتموا في دفع أبنائكم إلى التعليم و لا تقصروهم على المهن القديمة بل حثوهم بأن يشقوا طريقهم إلى العلوم الحديثة و ساعدوهم على ذلك لينالوا القسط الكبير منها ولتكن لهم مكانة مرموقة في المجتمع لأن العالم يتطور يوما بعد يوم فأمسكم غير يومكم و يومكم هذاغير غد).

3- كما لاحظته يحث سماحته الشباب على التعلم والتزود بالعلوم والمعارف الجديدة وأن يحصلوا على أرقى الدرجات والشهادات ليتنوروا بها و ينيروا الطريق للآخرين من أبناء وطنهم و عقيدتهم، لأن العلم نور يستفيد منه الجميع. كما حثهم على احترام اساتذتهم ومعلميهم لانهم الاباء الروحيين لهم ولهم الفضل عليكم بما يقدمونه لكم من معارف مختلفة.

4- وفي تجمع نسوي خاص حث الأخوات على التحلي بالأخلاق الفاضلة و المثل القيمة التي تظهر مكانة المرأة في المجتمع الإسلامي في تمسكها بدينها و عقيدتها و أخلاقها و قيمها و حجابها و عفتها و قال سماحته: و ما الحجاب الذي أمر به الإسلام إلا من باب إكرام المرأة و إعزازها فإنه لم يمنعها من التعلم و التزود بالمعارف شريطة الالتزام بواجباتها الإسلامية من العفة و الحشمة و في جواب على سؤال فتاة : ما الذي يوصي به سماحة السيد (مد ظله) كوننا فتيات متعلمات ؟ فأكد سماحته على الزواج المبكر مع توفر الشروط اللازمة لكل من الطرفين لما فيه من امن لهم، وأكد سماحته على عدم المغالاة في المهور و عدم فرض شروط قاسية تثبط الشاب عن الزواج المبكر وقال: فليكن دستورنا في هذا المجال قول الرسول الكريم( ص) ((إذا جاءكم من ترضون خلقه و دينه فزوجوه)).

5- وأكد سماحته على الجماعات الذين يعيشون في مدن كبرى و أماكن متباعدة بأن تكون لهم اجتماعات دورية في كل شهر على أقل تقدير يحضرها أكفاؤهم و حكماؤهم و المسنين منهم من أهل الحنكة و الخبرة ليتشاوروا بينهم فيما يحتاجون إليه في معالجة قضاياهم الاجتماعية و التربوية و السياسية و غيرها مما يقوي ارتباط بعضهم ببعض إلى جانب وحدتهم و تفاهمهم و تفاعلهم و إن أعوزتهم الخبرة فيستعينون بالكفاءات المختصة ليخرجوا برأي حصيف و سديد و مثل هذا التجمع يكون حصناً لهم و لأبنائهم من الأخطار.

6- و في تجمع آخر أكد سماحته على حقوق الزوج و الزوجة و أن لا يتجاوز كل منهما الحدود الشرعية المرسومة، و بهذا يتجنبان الاختلافات الأسرية التي يكون مردودها السيء على الأولاد مما يؤثر على شخصيتهم و دراستهم و مستقبلهم، و إن وجد خلاف (وقلما يخلو من ذلك) فليكن سراً بين الزوجين .

((وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون))

اترك تعليق