بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العاملين والصلاة على محمد واله الغر الهداة الميامين واصحابه المنتجبين ومن سار على نهجهم الى يوم الدين.

وبعد:

ينعقد مؤتمرنا الاول هذا في العاصمة الدنماركية كوبنهاكن عن الارهاب والتكفير الذي اصبح داء العصر وافته، وقد انتشرت هذه الظاهرة انتشارا واسعا، مما اساء الى سمعة الاسلام والمسلمين وصار البعض يتصور بأن الاسلام هو الذي يدفع هؤلاء المتطرفين لارتكاب جرائمهم بحق الانسانية، ولمعرفة تفاصيل هذه الظاهرة عُقد هذا المؤتمر، وسيكون حديثنا من خلال هذا البحث عن معنى الارهاب ودلالاته من الذكر الحكيم والسيرة الطاهرة، واليه الاشار بقوله تعالى:

((وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ)) فالقران الكريم قد اشار هنا الى مصطلح الارهاب في قوله تعالى ( ترهبون..) ومعناه الاعتداد بالقوة بحيث يبث الخوف والرهبة في نفس العدو الذي يريد شراً بالاسلام والمسلمين ، حتى يرتدع عن عدوانه. وهذا اللون من الارهاب هو عمل قانوني ومن وسائل الحرب الباردة ، بل هو خطوة نحو السلام لانه يمنع العدو من ممارسة عدوانه ، وليس فيه شيئ من الارهاب بمعناه المتداول بالقانون الجنائي اليوم.

وثمة تعبير آخر للقرآن عن الارهاب والارهابيين أولئك الذين يرهبون ويرعبون ويخوفون الابرياء والضعفاء، فعبّر عنهم بالطواغيت والمفسدين والمستلعين في الارض واليه الاشارة بقوله تعالى ((إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ))، وفي قوله تعالى )(وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ،الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ، فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ، فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ، إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ)(.

إذا المؤدى هو واحد سواء كان هذا الظالم طاغوتا او مفسدا او مستعلياً أو مرهباً، يعني هو ذاك الانسان أو تلك الجماعة التي تستعمل القوة والقهر والظلم بحق البريء والمظلوم والمضطهد، وهو موضوع حديثنا عن هذه الظّاهرة التي ألقت بظلالها القاتمة على المشهد الإنساني. علما بان الارهاب ليس حكرًا على ديانة معيّنة، وإن كان الإعلام المضلل يحاول جاهدًا أن يلصقها بالإسلام دون ان يذكر اولئك الذين انتحلوا الاسلام وحملوه شعارا زائفا لسفك دماء الابرياء ارضاءا لاسيادهم ونزواتهم، في حين أنّ الإرهاب هو وليد أفكار مشوّهة وعقول سقيمة ضلّت الطّريق وتاهت عن الجادة الصّحيحة.

ولكي نتعرّف على الطّرق والأساليب التي يمكن من خلالها محاربة الارهاب، يجب ان نلقي نظرة على معنى الارهاب واسباب نشوئه:

معنى الإرهاب:

يطلق مصطلح الإرهاب على أيّ فعل أو قول يقصد مرتكبه من خلاله بثّ الرّعب والخوف في خصمه، وحمله على منهجه بالإكراه والغصب مع استخدام أساليب وحشيّة، تخالف الأعراف الإنسانيّة والقوانين الدّوليّة، وقد يكون إرهابًا فكريًّا او عقائديًّا او بالفعل والسّلوك العدواني.

فمن اسباب تنامي ظاهرة الارهاب:

الفوضى الخلاقة: التي تركت بعض البلدان بلا مؤسسات وبلا نظام وبدون مقومات.

الفتاوى التكفيرية والخطب المتشددة والشحن الطائفي.

انتفاء العدالة الاجتماعية التي يؤكد عليها القران بقوله ((ان الله يأمر بالعدل والاحسان)).

المناهج الدراسية التي تنشر الكراهية وتثير الاحقاد وتحرض على الطائفية المقيتة.

عدم قبول راي الطرف الاخر.

الوضع السياسي المتشنج الذي تعيشه الدول والسياسات الازدواجية.

جهل الكثير باخلاقيات الحروب والمعارك الاسلامية

بعض الطرق المثلى لمواجهة هذه الظاهرة :

• التربية الدينية لمعالجة الأفكار الإرهابية المتطرفة: والمفروض ان يلعب الإعلام هنا دورًا كبيرًا في توجيه تلك الرّسالة والتّحذير من مخاطر الإرهاب.

• بيان خطر الارهاب على المجتمع: فعلينا ان نبيّن خطر الإرهاب وما يسبّبه من آثار سيّئة على المجتمع والدين الاسلامي الحنيف.

• المواجهة العسكرية: وهي ردع لمن تسوّل له نفسه العبث بمقدّرات الأمّة، وتخريبها واستباحتها والسّيطرة عليها. ان الجهد العسكري وان كان مؤثراً في الحد من ظاهرة الارهاب، الا انه لوحده ليس كافياً للقضاء عليها .. بل لابد من معالجة الجذور الاساسية لنشوء هذه الظاهرة واستفحالها في عدة دول، مع امكانية امتدادها الى دول اخرى حتى المتقدمة في امكاناتها العسكرية والامنية. ان الفكرَ المتطرف الذي يُقصي الآخر أياً كان ولا يقبلُ بالتعايش السلمي معه، بل يُحلُّ دمَهُ وعِرضهُ وماله… هذا الفكرُ المتطرف الذي جرى الترويج له ودعمه عن طريق آلاف المؤسسات والدعاة خلال عقود من الزمن هو العاملُ الاساس لِما اُبتليتْ به المنطقةُ والعالمُ من الارهاب التكفيري، فمن الضروري الاهتمام بمعالجة المناشئ الفكرية والثقافية لهذه الظاهرة الخطيرة، بالإضافة الى ضرورة قَصْر يد المتطرفين عما يمتلكونه من وسائل اعلامية عالمية، وتجفيف منابع الاموال الطائلة التي تدعم انشطتهم.

• الالتزام بالنظرية الاسلامية: والمتمثلة بسيرة النبي (ص) والإمام علي (ع) واهل البيت (ع) ومن سار على نهجهم، في زرع روح الطمأنينة في قلوب المواطنين.

إنّ محنة الإنسان على هذه الأرض منشؤها انعدام العدالة الاجتماعية وانعدام الشعور بالأمان، والأمن والسلام الاجتماعي في المفهوم الإسلامي حقّ طبيعي للإنسان، يجب أن يكفله القانون، ويحميه الرأي العام بوعيه وإصراره على تجسيد هذا الحقّ سلوكاً وواقعاً في الحياة. والإرهاب المعاصر لا يقوم إلا على الغدر والغيلة والفتك.

وقد جسد اتباع مدرسة اهل البيت (ع) تعاليمها بابهى صورها منتهجين نهج القران الذي يدعو الى الاحسان وكظم الغيض لقوله ((والكاظمين الغيض والعافين عن الناس))، وقد عرف هذا المعنى امام القاصي والداني خصوصا ان الدول الغربية اتضح لها سلوك اتباع مدرسة اهل البيت (ع) بانهم لا يغدرون ولا يفتكون ولا يسفكون دما حراما، وانما يلتزمون باداب واخلاق نبيهم الكريم واهل بيته الاطهار حتى لمسنا حسن معاملتهم معنا في كثير من الدول التي نزورها.

وقد جسد أئمتنا هذا الخلق الكريم كالإمام الصادق (ع) الذي سلك نهج الحوار مع المخالفين وحتى مع الزنادقة وبهذا شهد كبيرهم كابن ابي العوجاء الذي قال عنه (ع): بانه أفضل من جادله وخير من ناظره وكيف كان عليه السلام، يصغي إليه ويستغرق حجته ولم يتعد في جوابه ولا افحش في خطابه وإنه حليم كريم عاقل رصين إلى آخر ما وصفه به .

ولعل أبرز مثال لنهج أهل البيت (ع) من قبل العالم المعاصر هو تبني الأمم المتحدة لعهد أمير المؤمنين لمالك الأشتر حينما بعثه واليا ً على مصر واتخاذ الأمم المتحدة قرارا ً باعتبار هذا العهد ميثاقا ً للعلاقات والحكومات والشعوب ومصدر أساسي لحقوق الأنسان حتى اعتبر كوفي أنان أن أمير المؤمنين عليه السلام هو أعدل حاكم في تاريخ البشرية، – وما علي ٌ عليه السلام إلا بابا ً لمعرفة نهج رسول الله في حكمه بل هو باب علومه وباب سيرته ومدخله ومخرجه فمن سيرة علي عليه السلام نميز صحيح سيرة وأهل بيته من سقيمها.

ولعل خير ما نتوج به هذا البحث موقف المرجعية العليا في النجف الاشرف التي انتهجت نفس النهج في وصاياها وتوجيهاتها ونصائحها للمقاتلين في سوح الجهاد وبذلك اصدرت تعليماتها العامة اليهم والتي هي جديرة بان تقرأ وتلاحظ، وقد اثنت عليها منظمة حقوق الانسان واعتبرتها من الوثائق المثلى في هذا العصر مشيدة بمنهج المرجعية العليا في النجف الاشرف.

ولتنوير الحاضرين لولا موقف المرجعية بفتواها التاريخية بالجهاد الكفائي للدفاع عن العراق ومدنه ومقداسات المسلمين عموما ً، وهذا ما شهد به ساسة العالم من القاصي والداني.

نسأل الله عز وجل ان يحفظ الاسلام والمسلمين وان يؤلف ما بين قلوبهم ويجمع كلمتهم على التقوى انه سميع مجيب.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اترك تعليق