11 جمادى الاخرة 1438هـ

خلال زيارتة للعاصمة الفرنسية باريس أَمَّ العلامة السيد الكشميري ممثل المرجعية العليا في اوربا اليوم الجمعة المؤمنين في الصلاة ، وخاطبهم مبتدءا بالايتين الكريميتين من سورة ابراهيم ((أَلَم تَرَ كَيفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصلُها ثابِتٌ وَفَرعُها فِي السَّماءِ ، تُؤتي أُكُلَها كُلَّ حينٍ بِإِذنِ رَبِّها وَيَضرِبُ اللَّهُ الأَمثالَ لِلنّاسِ لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرونَ)) .

وعلق سماحته على النص القرآني (الكلمة الطيبة) الذي أشار الى كيفية التعامل مع الطرف الاخر حتى لو اختلف معك في دينه او معتقده كما جرى بين نبي الله موسى وبين الفرعون عندما وجهه الله تعالى ان يقول له قولا لينا عله يتذكر ويعود عن طغيانه وجبروته. ولم يطلب الله تعالى منه المواجهة المباشرة وإسقاطه تماما بادء ذي بدئ , وهذا الامر إن دل على شيء فإنما يدل أن الخطاب الالهي هو خطاب وصل لا خطاب قطع.

إن الله تعالى خطابه خطاب المبادرة والنصيحة والتذكير . خطاب التشجيع على ثقافة اللين ( وقولا له قولا لينا) وليس خطابه خطابا اقصائيا عنيفا ودمويا كما نتهم، إن من يبحث في إطار ( الكلمة الطيبة) ومدلولاتها في حياة الانسان يجدها برنامجا كاملا ليس معلقا فقط في إطار الاستعمال اللفظي اثناء النطق، بل يتعدى استعمالها لتكون منهاجا يسلكه الانسان في كافة مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والأسرية والتربوية حتى تصل في نهاية المطاف الى مستوى التكويني لعلاقة الأفراد واستقامتها على مناحي ومناهج الحياة الاخرى.

وهنا يأتي التطبيق العملي لتوجيهات الله تعالى للرسالات والنبوات السابقة لتتجسد خلقا رفيعا باهرا في شخصية النبي الأعظم صلى الله عليه واله الذي تمت بشخصيته النورانية مكارم الأخلاق دفعة الواحدة وبه اكتمل نصابها فما كان من المولى الا الثناء الجميل على شخصه الكريم صلى الله عليه واله، بان لو كنت فظّا غليظ القلب لانفضوا من حولك وعافوا امر هذه الرسالة وشأنها، فعامل الإنجاح لها به صلى الله عليه واله وليس في مريديه واتباعه، من حيث اعطاءه درسا بليغا بتعامله مع فئات من الناس تجتمع فيهم صفات التحجر والتصحر والغلظة والموات ، وهم ليسوا مؤهلين اصلا لتقبل ثقافة كثقافة الغيب والوحي والموت والحياة فنجحت الرسالة وتكللت جهود النبي صلى الله عليه واله ببعث أمة كاملة من تحت الرماد.

كما علّق سماحته على المصطلح القراني (شجرة طيبة) بانها تدل دلالة واضحة على عظيم شان اصحاب العبا (ع)، لقول صادق اهل البيت (ع) حينما سأله سائل عن تفسيرهما، فقال الشجرة رسول الله والفرع امير المؤمنين (ع) والغصن هي الزهراء (ع) والثمرة هم الابناء (ع) والورق هم موالوهم ومحبوهم والسائرون على نهجهم.
وبهذا المعنى ايضا رواه الشيخ الصدوق عن جابر عن الامام ابي جعفر الباقر (ع) . ونحن حينما نرجع الى بعض الاحاديث الواردة عن النبي (ص) والعترة الطاهرة (ع) في هذا الباب وغيره نراها تفوق العدّ، ومنها ما رواه المجلسي في البحار عن سلمان المحمدي، ان العباس بن عبد المطلب قال لرسول الله (ص) لماذا فضل علي علينا اهل البيت والمعدن واحد؟ فقال النبيّ (ص): (إنّ الله خلقني وعليّاً إذ لا سماء ولا أرض، ولا جنّة ولا نار، ولا لوح، ولا قلم، فلمّا أراد الله بدء خلقنا تكلّم بكلمة فكانت نوراً، ثمّ تكلّم باُخرى فكانت روحاً، فمزج بينهما فاعتدلا فخلقني وعليّاً. ثمّ فتق من نوري نور العرش، فأنا أجلّ من العرش. وفتق من نور عليٍّ نور السماوات، فعليّ أجلّ من السماوات. وفتق من نور الحسن نور الشمس، فالحسن أجلّ من الشمس. وفتق من نور الحسين نور القمر، فالحسين أجلّ من القمر.

وكانت الملائكة تقول في تسبيحها: سبّوح قدّوس من أنوار ما أكرمها على الله. فلمّا أراد الله سبحانه أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحاباً من ظُلمة، فكانوا لا يرون أوّلهم من آخرهم، فضجّوا بالدعاء قائلين: إلهنا وسيّدنا منذ خلقتنا ما رأينا مثل هذا، فنسألك بحقّ هذه الأنوار إلاّ ما كشفت عنّا هذه الظلمة. فخلق الله نور فاطمة كالقنديل وعلّقه بالعرش، فزهرت السماوات السبع والأرضون السبع، فمن أجل هذا سُمِّيت بالزهراء، وأوحى سبحانه وتعالى إلى الملائكة: إنّي جاعل ثواب تسبيحكم وتقديسكم إلى يوم القيامة لمحبّي هذه المرأة وبعلها وبنيها.

فقام العبّاس من عند رسول الله فرحاً بما أبداه النبيّ (ص) من فضل ابن أخيه أميرالمؤمنين وسيّد الوصيّين، وفضل سيّدَي شباب أهل الجنّة واُمّهما الزهراء البتول سيّدة نساء العالمين، ولقي عليّاً (ع) فضمّه إلى صدره وقبّل ما بين عينيه، وقال: بأبي عترة المصطفى من أهل بيت ما أكرمكم على الله) .

ومثل هذا ما ورد في فضلهم بحديث الكساء الذي يُفهَم من نصوصه المباركة انهم علّة هذا الوجود. نعم هذا ما كان من فضلهم في العالم العلوي.

واما ما ورد في حقهم من النبي (ص) قوله (مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك) وقوله (اوصيكم بكتاب الله وعترتي اهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابدا) وقوله لعمار بن ياسر (يا عمار إذا رأيت عليا سلك واديا وسلك الناس واديا غيره فاسلك مع علي ودع الناس ، إنه لن يدليك في ردى ولن يخرجك من الهدى).

لذا امرنا النبي (ص) بالتمسك بهم والسير على نهجهم واعتبرهم سفن النجاة، وان من تمسك بهم نجا ومن تخلف عنهم هلك وهوى، فلو ان المسلمين ساروا على نهجهم (ع) واتبعوا طريقتهم لما تسلط عليهم الاشرار هذا اليوم، رغم كثرتهم عددا وعدة ، ولكنهم غثاء كغثاء السيل لقول النبي (ص) (.. ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يجعل الوهن في قلوبكم، وينزع الرعب من قلوب أعدائكم.. لحبكم الدنيا، وكراهيتكم الموت).

وقد حذرتهم من مغبة ذلك الصديقة الزهراء (ع) بقولها (ويحهم أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة ، وقواعد النبوة ، ومهبط الوحي الأمين ، والطبين بأمر الدنيا والدين ، ألا ذلك هو الخسران المبين ، وما نقموا من أبي الحسن ، نقموا والله منه نكير سيفه ، وشدة وطئه ، ونكال وقعته ، وتنمره في ذات الله عز وجل . والله لو تكافوا عن زمام نبذه رسول الله (ص) إليه لاعتلقه ، ولسار بهم سيرا سجحا ، لا يكلم خشاشه ، ولا يتعتع راكبه ، ولأوردهم منهلا نميرا فضفاضا تطفح ضفتاه ولأصدرهم بطانا ، قد تحير بهم الري غير متحل منه بطائل إلا بغمر الماء وردعة شررة الساغب ، ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض ، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون. ألا هلم فاسمع وما عشت أراك الدهر العجب ، وإن تعجب فقد أعجبك الحادث إلى أي سناد استندوا ، وبأي عروة تمسكوا ، استبدلوا الذنابى والله بالقوادم والعجز بالكاهل . فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ، أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) .

نسال المولى سبحانه وتعالى ان يجعلنا من السائرين على نهج العترة الطاهرة وان نُحشر يوم القيامة في ظلهم انه سميع مجيب.

هذا وقد تم ترجمة الخطبة الى الفرنسية مباشرة.

اترك تعليق